فيضانات غوانغدونغ ووباء شيكونغونيا.. الطبيعة والفيروس يحاصران ملايين السكان في الصين
فيضانات غوانغدونغ ووباء شيكونغونيا.. الطبيعة والفيروس يحاصران ملايين السكان في الصين
شهدت مقاطعة غوانغدونغ جنوب الصين موجة أمطار غزيرة غير مسبوقة خلال الأيام الماضية، ما أسفر عن فيضانات وانزلاقات تربة واسعة النطاق، ووفقًا لما أعلنته وسائل الإعلام الصينية الرسمية، اضطرت السلطات لإجلاء أكثر من 75 ألف شخص من منازلهم، نتيجة ارتفاع منسوب المياه وانهيارات التربة التي تسببت بدمار كبير للبنى التحتية والمنازل.
أفادت شبكة البث الرسمية "سي سي تي في" مساء الأربعاء بأن شخصًا واحدًا على الأقل لقي مصرعه، فيما لا يزال 14 آخرون في عداد المفقودين بعد انزلاق أرضي وقع في قرية دايوان بمدينة غوانجو، وبيّنت التسجيلات المصوّرة التي بثّتها القنوات الرسمية مشاهد صادمة لأشخاص يسيرون وسط مياه بلغ مستواها الخصر، وآخرين يتشبثون بسيارات مغمورة جزئيًا، فيما كانت فرق الإنقاذ تبحث وسط الركام عن ناجين محتملين.
وتمكنت فرق الطوارئ من إنقاذ سبعة أشخاص أحياء من موقع الانهيار، بينما عُثر على جثة أحد الضحايا مساء الأربعاء، وسط استمرار عمليات البحث.
أضرار تمتد إلى مقاطعات مجاورة
لم تتوقف آثار الكارثة عند غوانغدونغ، بل امتدت الأمطار الغزيرة إلى مقاطعة غوانغشي المجاورة، حيث غمرت الفيضانات الأحياء السكنية والمتاجر، ما فاقم من الأضرار وأربك الاستجابة الطارئة.
وأعلنت السلطات في غوانغدونغ تفعيل خطط الاستجابة للطوارئ، كما أكدت لجنة الإصلاح والتنمية الوطنية أن الأمطار الغزيرة أدّت إلى "عدد كبير من الضحايا وخسائر مادية جسيمة"، في إشارة إلى حجم الدمار الذي طال البنية التحتية والمنازل والمؤسسات العامة والخاصة.
تفشٍ غير مسبوق لفيروس "شيكونغونيا"
فيما لا تزال الفيضانات تلتهم الجنوب، يواجه السكان في مدينة فوشان بمقاطعة غوانغدونغ تهديدًا آخر لا يقل خطورة: تفشٍ واسع لفيروس "شيكونغونيا" الذي يُنقل عبر البعوض، وأكدت السلطات تسجيل أكثر من 7000 إصابة مؤكدة حتى الأربعاء، في ما يُعد أكبر تفشٍ للفيروس في الصين على الإطلاق، وفقًا للخبير سيزار لوبيز-كاماتشو من جامعة أوكسفورد.
وأشار الخبير إلى أن السكان لم يسبق لهم التعرض لهذا الفيروس، ما يجعلهم دون مناعة جماعية، ويُفسر سرعة انتشاره في ظل توافر ظروف مثالية لتكاثر البعوض بفعل الأمطار الغزيرة والحرارة المرتفعة.
استجابة مبتكرة
تبنّت السلطات الصينية وسائل متعددة للحد من انتشار الفيروس، شملت استخدام طائرات مسيّرة لتحديد مواقع المياه الراكدة، ورشّ المبيدات في الشوارع والأحياء ومواقع البناء، إلى جانب نصب شباك مكافحة البعوض، كما فرضت السلطات غرامات تصل إلى 10 آلاف يوان على من يُبقي مياهًا راكدة في حاويات خارجية.
وفي محاولة مبتكرة، تم استخدام أسماك صغيرة تتغذى على يرقات البعوض، إلى جانب إطلاق بعوض معدّل وراثيًا أكبر حجمًا يفترس البعوض الحامل للفيروس.
إجراءات صحية صارمة وتحذيرات دولية
استنادًا إلى تجارب الصين السابقة مع أوبئة مثل سارس وكوفيد-19، أعلنت السلطات الصحية في فوشان فرض بروتوكولات وطنية، شملت إلزام المصابين بالبقاء في المستشفيات لمدة لا تقل عن أسبوع، وقد ألغيت تعليمات الحجر المنزلي لاحقًا بعد أن ثبت أن فيروس "شيكونغونيا" لا ينتقل من شخص لآخر.
من جهتها، أصدرت الولايات المتحدة تحذيرًا لمواطنيها بتوخي الحذر عند السفر إلى جنوب الصين، إلى جانب دول أخرى تشهد تفشي الفيروس.
مرمى الكوارث الطبيعية والصحية
تأتي كارثة غوانغدونغ بعد أقل من شهر من موجة أمطار عنيفة ضربت شمال العاصمة بكين وأدت إلى وفاة 44 شخصًا، بينما أودى انزلاق تربة في مقاطعة خبي المجاورة بحياة ثمانية آخرين. وتُظهر هذه الحوادث المتكررة كيف باتت الصين تواجه صيفًا حافلًا بالكوارث الطبيعية.
تُعدّ الصين أكبر مصدر لانبعاثات غازات الدفيئة في العالم، ما يجعلها مساهمًا رئيسيًا في تغير المناخ الذي يُفاقم الظواهر الجوية المتطرفة. وتسعى البلاد حاليًا إلى الوصول للحياد الكربوني بحلول عام 2060، من خلال توسيع مشاريع الطاقة المتجددة وخفض الاعتماد على الفحم.
ورغم هذه الجهود، تبرز الكوارث الأخيرة كمؤشر واضح على حجم التحدي المناخي والبيئي، والحاجة إلى حلول أكثر استدامة وشمولية، خصوصًا في ظل التوسع الحضري والسكاني الهائل.
فيروس شيكونغونيا هو مرض فيروسي ينقله بعوض الزاعجة، ويتسبب بأعراض حادة تشبه الإنفلونزا، مثل الحمى والطفح الجلدي وآلام المفاصل، ولا يوجد لقاح أو علاج محدد له حتى الآن.
وطورت الصين منذ وباء سارس عام 2003 وحتى كوفيد-19، أنظمة استجابة صحية متقدمة، تشمل مستشفيات ميدانية، وتقنيات ذكاء اصطناعي في التتبع، واستراتيجيات تطويق تعتمد على تحليل البيانات الكبيرة.