نساء السودان تحت النار.. عندما تصبح الأنوثة عبئًا في زمن الحرب

نساء السودان تحت النار.. عندما تصبح الأنوثة عبئًا في زمن الحرب
نساء وأطفال بين النازحين في السودان

بينما تسجّل الحرب السودانية فصولها الأكثر دموية منذ اندلاعها في أبريل 2023، تتكشف واحدة من أفظع أوجه الكارثة: المأساة التي تعيشها النساء والفتيات في الظل، في بلد تفتك به الحرب، وتنهار فيه البنى التحتية، تُدفَع النساء إلى هامش لا يرحم، حيث يتقاطع العنف الجنسي مع الجوع، والوصمة الاجتماعية مع غياب الحماية، في سيناريو دموي تكشفه الأرقام والنداءات الأممية بصوت مبحوح.

أمن غذائي مفقود

بحسب هيئة الأمم المتحدة للمرأة، تعاني النساء السودانيات من انعدام حاد في الأمن الغذائي، وسط تهميش هيكلي داخل أنظمة توزيع المساعدات، فقد قفزت نسبة الأسر التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي الشديد من 14% إلى 26% خلال عام واحد فقط، مع تسجيل تدهور حاد لدى الأسر التي ترأسها نساء، والتي كانت بالأصل أكثر عرضة للجوع بثلاثة أضعاف.

جوع واغتصاب في آن واحد

تتجاوز الأزمة حدود انعدام الغذاء إلى تزايد مروّع في جرائم العنف القائم على النوع الاجتماعي، ففي تقرير رسمي، تم تسجيل 1,138 حالة اغتصاب منذ اندلاع النزاع، بينها 193 حالة لأطفال، وتشير منظمات حقوقية إلى أن العدد الحقيقي مرجّح أن يكون أعلى بكثير بسبب الخوف من الوصمة والعوائق الأمنية التي تمنع الإبلاغ.

في مناطق النزاع مثل دارفور وكردفان، تتحول المساعدات الإنسانية إلى مصايد للعنف والاستغلال إذ تُستهدف النساء أثناء جمع الغذاء أو الماء، وتفتقر نقاط التوزيع إلى آليات الحماية من التحرش والانتهاك الجنسيين.

نساء يدعمن بعضهن رغم الانهيار

وسط هذا الانهيار، برزت المنظمات التي تقودها نساء كـ"العمود الفقري للاستجابة الإنسانية"، في ظل غياب الدولة وتقييد حركة المنظمات الدولية، تغامر هذه المبادرات المحلية بموارد محدودة للوصول إلى المناطق المنكوبة.

في ولايات مثل غرب كردفان وشمال الجزيرة، توفر هذه المنظمات رعاية صحية متنقلة، ومطابخ مجتمعية، وخطوط حماية، وملاجئ مؤقتة، أحياناً دون تمويل مؤسسي أو دعم دولي.

إحدى هذه المنظمات كانت تدير 60 مطبخًا، لكنها أُجبرت على إغلاق 35 منها بسبب نضوب التمويل.

رغم أن النساء الناشطات يقدن جهودًا حاسمة على الأرض، فإنهن لا يحصلن على الاعتراف الكافي كشريكات في العمل الإنساني، ويواجهن أيضًا مخاطر شخصية جسيمة تتراوح من التهديدات إلى الاغتصاب والقتل.

في المناطق المتأثرة بالنزاع، مثل ولاية الجزيرة، تُجبر الفتيات المراهقات على التسرب من المدارس للبحث عن الطعام، ما يجعلهن عرضة للاستغلال الجنسي وزواج الأطفال، وهي آليات تأقلم ضارة آخذة في الازدياد، كما أبلغت منظمات عن ارتفاع معدلات ختان الإناث وعمالة الأطفال، وهي انعكاسات مباشرة لتدهور الأمن الغذائي وفقدان الحماية.

تقاعس أممي أم عجز؟ 

رغم التحذيرات المتكررة، لم تَلقَ الأزمة الإنسانية في السودان الاهتمام الدولي الكافي، ووصفت هيئة الأمم المتحدة للمرأة الوضع بأنه "حالة طوارئ جنسانية"، ودعت إلى تمويل عاجل لحماية النساء والفتيات.

لكن حتى الآن، تظل الاستجابة بطيئة ومجزأة. يقول مسؤول في برنامج الغذاء العالمي إن “الوصول إلى الفاشر في شمال دارفور أصبح مستحيلاً تقريباً”، مشيرًا إلى مقتل خمسة أشخاص في قافلة كانت تحاول إيصال مساعدات لمخيم زمزم، منوهاً أن المجال الجوي ليس أكثر أماناً، وهو ما يجعل حتى عمليات الإسقاط الجوي غير ممكنة.

وفقاً لمنظمة هيومن رايتس ووتش، فإن استهداف المساعدات الإنسانية في السودان يمثل "جريمة حرب محتملة"، ويجب التحقيق فيه دوليًا.

القانون الدولي.. الحماية النظرية في واقع منهار

تضمن اتفاقية جنيف الرابعة وملاحقها حماية المدنيين، ولا سيما النساء، أثناء النزاعات المسلحة.. كما يحظر نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية استخدام الاغتصاب كسلاح حرب.

ورغم ذلك، تستمر الانتهاكات في السودان بشكل ممنهج، ما يستدعي مساءلة الجنرالات وقادة الميليشيات عن جرائم ضد الإنسانية، لا مجرد بيانات إدانة.

لم تكن النساء السودانيات بعيدات يومًا عن خطوط النار، ففي النزاعات السابقة في دارفور، وكذلك خلال الثورة السودانية في 2019، شكّلت النساء طليعة التغيير، لكنهن كن أيضًا أول من دفع الثمن.

فالأعراف الذكورية، والتهميش السياسي، وغياب العدالة الانتقالية، ساهمت جميعها في ترسيخ هشاشة دور المرأة، وهو ما تكشفه هذه الحرب بوحشية مضاعفة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية