من الإحصاء إلى العدالة.. كيف يحول العنف الجنسي الصراعات إلى كابوس إنساني وقانوني؟

من الإحصاء إلى العدالة.. كيف يحول العنف الجنسي الصراعات إلى كابوس إنساني وقانوني؟
نازحون من الصراعات

 

أظهر التقرير السنوي للأمين العام للأمم المتحدة حول العنف الجنسي المرتبط بالصراعات أن أكثر من 4,600 شخص تعرضوا في 2024 لأشكال من العنف الجنسي المرتبط بالحرب، بارتفاع قدره نحو 25 في المئة مقارنة بالعام السابق، ولا يعكس الرقم، رغم كونه محورياً، الحجم الحقيقي للظاهرة بحسب خبراء أمميين، لأن ظروف النزاع والوصم الاجتماعي وقيود الوصول تحول دون توثيق آلاف الحالات. 

نطاق وأشكال الانتهاكات

يؤكد التقرير أن العنف الجنسي لم يعد ظاهرة هامشية بل صارت سلاحاً منظماً في العديد من النزاعات ويشمل جرائم اغتصاب جماعي، استعباد جنسي، اختطاف لأغراض الاستغلال الجنسي، وتطبيق ممارسات مهينة في أماكن الاحتجاز، وقد أدرجت الأمم المتحدة 63 طرفاً تشمل حكومات ووحدات وغير حكومية،يشتبه بمسؤوليتها عن أنماط ممنهجة من هذه الجرائم، وتشمل قوائم البلدان المتضررة جمهورية الكونغو الديمقراطية، هايتي، جمهورية إفريقيا الوسطى، الصومال وجنوب السودان، ويغطي التقرير معلومات موثقة من 21 دولة وفق "أسوشيتدبرس".

العنف الجنسي كأسلوب حرب وآلية للقمع

التحليل يظهر نمطين مترابطين أولاً، استخدام العنف الجنسي كأداة لتهجير السكان وتفكيك المجتمعات وقمع المقاومة، وثانياً، توظيفه كأداة تعذيب داخل مراكز الاحتجاز لاستخلاص معلومات أو إذلال السجناء، كما تساهم وفرة الأسلحة الصغيرة، وانهيار سيادة القانون، والنزوح الجماعي في توسيع دائرة التعرض، بينما تعمل الجماعات المسلحة على استغلاله لترسيخ سيطرتها على أراضٍ وموارد، وتربط الأمم المتحدة تزايد هذه الممارسات أيضاً باستهداف أقليات جنسانية وعرقية وضعفاء من ذوي الإعاقة.

حالات محددة وردود فعل أممية وحقوقية

تضمنت التقارير الميدانية أدلة مختلفة، فعلى سبيل المثال زارت مهمة مكتب الممثل الخاص إسرائيل والأرض المحتلة وأشارت إلى تقارير عن عنف جنسي مرتبط بهجمات 7 أكتوبر واحتجاز الرهائن، بينما أعربت الأمم المتحدة عن صعوبات توثيق بعض الوقائع بسبب عوائق الوصول، وفي سياقات أخرى، وثقت بعثات أممية وحقوقية عنفاً واسع النطاق أثناء اجتياحات ومداهمات في السودان، وعنفا جنسيا في أماكن الاحتجاز بليبيا، وحالات متكررة في شرق وجنوب الكونغو وغيرها، وشهدت ردود الفعل الحقوقية إدانة حادة ودعوات لفتح تحقيقات مستقلة ومحاسبة مرتكبي الجرائم، وقد طالبت منظمات مثل هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية بتحويل التقارير إلى آليات قضائية فعالة. 

العنف الجنسي في أماكن الاحتجاز

أحد أكثر الملامح خطورة التي يبرزها التقرير هو تركز حالات عنف جنسي في السجون ومراكز الاحتجاز الرسمية وغير الرسمية، بما في ذلك ممارسات تتراوح بين الإهانة الجنسية والاغتصاب والتعذيب الجنسي الممنهج، وفي هذا الإطار وضع الأمين العام أطرافاً مثل القوات الأمنية الإسرائيلية والروسية تحت إشعار لإمكان إدراجها في قوائم الأطراف المشتبه بها إذا لم تتخذ خطوات ملموسة للتحقيق وتنفيذ أوامر واضحة تحظر هذه الممارسات، هذه الإشعارات تكشف عن أن العنف الجنسي صار مرتبطاً أيضاً بمؤسسات الدولة وليس حصراً بالجماعات المارقة. 

عوائق الاستجابة الإنسانية ونتائجها على الضحايا

يؤكد التقرير أن تراكم الهجمات على مرافق الرعاية الصحية، والعمليات التي تمنع وصول فرق الإسعاف والخدمات الجنسانية للطوارئ، يحرم الضحايا من الرعاية الحيوية خلال أول 72 ساعة الحاسمة، ما يزيد من مخاطر الحمل القسري، والعدوى المنقولة جنسياً، والصدمات النفسية اللاحقة، كما يضيف الوصم الاجتماعي عبئاً مادياً ونفسياً على الناجيات ويعوق اندماجهن، بينما تواجه المساعدات تمويلات غير كافية وقيود وصول في كثير من النزاعات. 

الإطار القانوني الدولي ونداءات المساءلة

تكرس قواعد القانون الدولي إدانة العنف الجنسي، فالاغتصاب يُعد جريمة حرب، وإذا ارتكبت أفعال منهجية ضد مجموعة مدنية فقد ترتقي إلى جرائم ضد الإنسانية، وقد أصدر مجلس الأمن قرارات ملحّة، أبرزها القرار 2467 (2019) الذي يؤكد نهج يضع الضحية في مركز الاستجابة ويشدد على ضرورة المحاسبة والوقاية، كما تبقى قرارات أوسع في إطار قرار 1325 للنساء والسلام والأمن حجر زاوية للسياسات الوقائية.

وتطالب المنظمات الحقوقية بتطبيق هذه الالتزامات عبر تحقيقات دولية مستقلة، وإحالة القضايا للجنائية الدولية عندما تتوفر أدلة على نطاق أو منهجية تُسقط الحصانات.

خلاصة تحليلية وتوصيات عملية

العنف الجنسي في الصراعات اليوم ليس فقط فشلا إنسانيا بل فشلا مؤسساتيا دوليا، فالارتفاع في الحالات، وتكرار النمط في أماكن الاحتجاز، ووجود أطراف حكومية بين المشتبه بهم يفرض تحركاً فورياً وممنهجاً، وتوصي المنظمات الحقوقية والإنسانية بفتح تحقيقات مستقلة ونزيهة مدعومة بتمويل دولي، وضمان وصول فرق طبية نفسية جنسانية داخل 72 ساعة، وإلزام القوات بأوامر قيادية واضحة وإجراءات تأديبية سريعة، وحماية الشهود والناجين، وتمويل برامج إعادة إدماج اقتصادية واجتماعية للناجين وأطفالهم، كما يجب على مجلس الأمن والدول الأعضاء تحويل قرارات الإدانة إلى آليات إنفاذ ملموسة، بما في ذلك قيود دبلوماسية وشرعية ضد من يعرقل التحقيقات.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية