رغم المخاطر.. الحياة القاسية تدفع لاجئين صوماليين للعودة من اليمن
رغم المخاطر.. الحياة القاسية تدفع لاجئين صوماليين للعودة من اليمن
في أطراف مدينة عدن باليمن، وتحديداً في حي البساتين الذي تحول مع مرور السنوات إلى تجمع عشوائي مكتظ، يعيش آلاف الصوماليين في ظروف قاسية تحاصرهم من كل الجهات، طرق ترابية ضيقة، أكوام قمامة، منازل مبنية بمواد بسيطة وبيئة لا توفر أملاً كبيراً في مستقبل أفضل، وفي هذا المكان يواجه اللاجئون حياة يومية لا تشبه ما حلموا به عندما غادروا بلادهم بحثاً عن الأمن وفرصة العيش الكريم.
بعد سنوات طويلة قضتها عائلات صومالية في اليمن متنقلة بين الأزمات، بات خيار العودة إلى الوطن الأصلي أحد المخارج القليلة الممكنة، لم يعد اليمن بالنسبة لكثيرين محطة مثالية للانتقال نحو دول خليجية أكثر استقراراً، بل تحول إلى نقطة تتكثف فيها المعاناة بسبب الحرب والبطالة وغياب الخدمات، بحسب ما أوردته فرانس برس الثلاثاء.
ومن هؤلاء عبد الله عمر الذي حاول أن يبني حياة جديدة لزوجته وأطفاله، دفع خمسمئة دولار لمهربين العام الماضي أملاً بأن يجد طريقاً أفضل، لكن آماله تبعثرت.
يقول عمر وهو يجلس أمام غرفته الفقيرة في البساتين إن الحياة صارت هشة إلى درجة أن الأسرة قد تأكل في يوم وتظل في اليوم التالي بلا طعام، يعمل الرجل في غسل السيارات مقابل مبالغ زهيدة لا تتجاوز دولاراً واحداً في اليوم، في حين يحتاج لإعالة أربعة أطفال لا يجدون فرصة للدراسة أو الرعاية.
رحلة بين بلدين
نشأ عمر في اليمن خلال عهد الرئيس الأسبق علي عبد الله صالح قبل أن تعصف رياح الربيع العربي بالبلاد، وعندما صار شاباً حاول الوصول إلى السعودية عام 2017، لكنه أوقف على الحدود وأعيد إلى الصومال، هناك تزوج وأنجب ثلاثة أطفال وعمل في قطاع البناء لسبع سنوات بدخل يومي أفضل نسبياً، ومع ذلك عاد مرة أخرى إلى اليمن ظناً منه أن الحياة فيه ستكون أيسر، ليكتشف أن الحرب والانقسام السياسي بددا ما بقي من فرص.
يقول الرجل إن اليمن لم يعد مكاناً صالحاً للعيش بالنسبة له ولأطفاله، فهو لا يملك أي شيء هنا، ويأمل أن يتمكن في الصومال على الأقل من شراء ما يلزم لأبنائه من ملابس وأحذية في ظل حياة بسيطة لكنها أكثر استقراراً.
تظهر شوارع عدن واقعاً شديد القسوة، فالمهاجرون يتجولون بحثاً عن عمل أو طعام، والنساء يجلسن أمام البيوت بوجوه يائسة، أطفال يحملون علامات سوء التغذية، ورجال يمضون ساعات طويلة دون أن يجدوا فرصة عمل واحدة، وقد ارتفعت أعداد الوافدين إلى اليمن بشكل كبير خلال الأشهر الأخيرة، إذ سجلت المنظمة الدولية للهجرة وصول نحو 17 ألف شخص في أكتوبر وحده قادمين من جيبوتي والصومال، وهي زيادة كبيرة قياساً بالشهر السابق.
تفاقم النزاع
بدأت الحرب اليمنية نهاية عام 2014 عندما سيطر المتمردون الحوثيون على مناطق واسعة من البلاد، وخلف الصراع مئات آلاف الضحايا وأغرق البلاد في أزمة إنسانية غير مسبوقة، وتشير الأمم المتحدة إلى أن أكثر من نصف سكان اليمن في حاجة إلى مساعدات إنسانية، بينهم ملايين النازحين الذين يعيشون أوضاعاً قاسية.
وسط هذا المشهد يكابد اللاجئون الصوماليون في اليمن حياة تزداد ضيقاً يوماً بعد آخر، يعيش عبد الله عمر في غرفة صغيرة تكاد تخلو من الأثاث، داخل منزل مشترك مع أسر أخرى، ويدفع إيجاراً لا يتناسب مع دخله الضئيل، وتتشارك العائلات حماماً ومطبخاً، ومع ذلك يحاول الجميع التمسك بما يمكنهم من استمرار الحياة اليومية.
وأطلقت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين برنامجاً للعودة الطوعية منذ عام 2017 أعاد حتى الآن أكثر من 9 آلاف لاجئ صومالي إلى وطنهم. يشكل الصوماليون غالبية اللاجئين المسجلين في اليمن، ويقول أكثر من نصف الذين عادوا إن السبب الرئيس هو غياب فرص العمل.
عبد الله عمر واحد من الذين غادروا عدن فعلاً قبل أسابيع متجهاً مع أسرته إلى مقديشو، ويقول العاملون في البرنامج إن اللاجئين الذين لا يمتلكون القدرة المالية على العودة عبر الهجرة غير الشرعية يجدون في هذه الرحلات المنظمة فرصة للرجوع بشكل آمن، يحصل كل فرد من الأسرة على مساعدة مالية قبل سفره، إلى جانب دعم إضافي عند الوصول إلى الصومال لمساعدتهم في الاندماج من جديد.
قصص أخرى
لا يختلف حال أحمد أبو بكر مرزوق عن غيره من الصوماليين المهاجرين الذين عاشوا سنوات طويلة في اليمن، حيث جاء قبل 25 عاماً، تزوج مرتين، وأنجب 15 طفلاً، كان يعمل مقاول بناء ويتمتع بدخل جيد قبل الحرب، لكنه خسر عمله تدريجياً مع تدهور الأوضاع، يرى بناته يعملن خادمات في البيوت من أجل توفير قوت يومي بسيط، وهو أمر يوجعه كثيراً، ويأمل أن يعود إلى الصومال ليستعيد حياته ويقف إلى جانب أشقائه الذين يعملون في الزراعة، ويقول إنه إن تحقق السلام في مقديشو فقد يعود هو نفسه يوماً إلى اليمن الذي احتضنه لسنوات.
تبدو قصص اللاجئين الصوماليين في اليمن مرآة لواقع معقد تتداخل فيه الحروب والنزاعات مع الفقر وانعدام فرص الحياة الكريمة، فالهجرة التي كانت في السابق بحثاً عن ملاذ آمن، أصبحت اليوم طريقاً شائكة تدفع الكثيرين إلى التفكير بالعودة إلى وطن يعاني بدوره تحديات أمنية واقتصادية، ومع ذلك يظل الأمل بأن يجد هؤلاء في مقديشو أو غيرها من المدن الصومالية فرصة لبناء حياة جديدة، ولو على أنقاض سنوات طويلة قضوها بين الخوف والانتظار في بلد يعيش حرباً لا تنتهي.
شهدت الصومال خلال العقود الماضية اضطرابات أمنية واسعة منذ انهيار الحكومة المركزية مطلع التسعينات، وتسيطر حركة الشباب على مناطق ريفية عدة، في حين شهدت مقديشو نسبياً تحسناً أمنياً سمح بازدهار نسبي في قطاعات البناء والخدمات، أما اليمن فيخوض حرباً مستمرة منذ عام 2014 أدت إلى إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، وأثرت بشكل مباشر في المهاجرين الذين كانوا يعبرون أراضيه نحو الخليج، وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن اليمن يستقبل آلاف المهاجرين سنوياً رغم ظروفه المتدهورة، في حين تعتمد برامج العودة الطوعية على دعم دولي يتيح للاجئين إعادة بناء حياتهم في بلدانهم الأصلية.










