أجور مهددة وحقوق مفقودة.. العمال الهنود أول ضحايا رسوم ترامب الجمركية

أجور مهددة وحقوق مفقودة.. العمال الهنود أول ضحايا رسوم ترامب الجمركية
صناعة السجاد في الهند

لم يكن الصناع والتجار الهنود يتوقعون أن تأتي الضربة من أقرب الأسواق إليهم وأكثرها أهمية: الولايات المتحدة، فمع إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رفع الرسوم الجمركية على الواردات الهندية إلى 50% انقلبت الحسابات رأساً على عقب، لتصبح ملايين الوظائف مهددة، ولتواجه حملة "صُنع في الهند" التي أطلقها رئيس الوزراء ناريندرا مودي اختباراً وجودياً عسيراً.

كانت البداية مع قرار فرض رسوم بنسبة 25% على الواردات الهندية، لكن، كما نقلت صحيفة "نيويورك تايمز"، سرعان ما جاء الإعلان المفاجئ بمضاعفة هذه النسبة لتصل إلى 50% بدءاً من 27 أغسطس، وهو ما وصفه صناع السجاد والمنسوجات في ولاية أوتار براديش بـ"المستحيل".

قطاع السجاد

قال اشتياق أحمد خان، صانع سجاد في مدينة بهادوهي: "صُدمنا برسوم الـ25%، وكنا نفكر في كيفية مواجهة هذه المشكلة.. لكن الآن أصبحت الرسوم 50%، لذا أصبح الأمر مستحيلاً.. نخشى أن يُصبح الكثير من الناس عاطلين عن العمل".

تُصدّر الهند 98% من إنتاجها من السجاد، وتستحوذ الولايات المتحدة وحدها على نحو 60% من هذه السوق، ومع الرسوم الجديدة، سيُضاف 125 دولاراً على سعر سجادة قيمتها 500 دولار، وربما 250 دولاراً لاحقاً، ما يجعل المنافسة شبه مستحيلة.

بحسب تقديرات خان –الذي ترأس سابقاً مجلس الترويج التجاري للصناعة– فإن 2.5 مليون شخص في المنطقة قد ينزلقون إلى مستوى الكفاف.

صناعات أخرى معرضة لأضرار

ولا يقف التهديد عند صناعة السجاد، فقد ذكرت "نيويورك تايمز" أن الصناعات الأخرى المعرضة لأضرار فادحة تشمل المنسوجات والملابس وتربية الأحياء المائية –خصوصاً الروبيان– والأثاث والأحجار الكريمة والمجوهرات.

كتب كيريت بهنسالي، رئيس الرابطة الرئيسية لصناعة الأحجار الكريمة، أن 30% من التجارة العالمية للأحجار الكريمة الهندية مهددة بسبب هذه الرسوم.

وفي السياق نفسه، أشارت "فايننشال تايمز" إلى أن القطاعات الأكثر عرضة للضرر، مثل الملابس والسجاد والمجوهرات والروبيان، قد تشهد انخفاضاً في المبيعات بنسبة تتراوح بين 50 و70%، وفق تقديرات خبراء السياسات التجارية.

حملة "صُنع في الهند"

جاءت رسوم ترامب لتقوض مساعي مودي لتحويل الهند إلى بديل صناعي للصين، فالمبادرة التي أُطلقت عام 2014، وسعت إلى رفع نسبة مساهمة الصناعة إلى 25% من الناتج المحلي بحلول 2025، ما زالت عالقة عند 14% فقط، بحسب "فايننشال تايمز."

وقد تلقت الشركات الكبرى مثل "جوكالداس للصادرات"، التي تُنتج نصف مبيعاتها للسوق الأمريكية، سيلاً من الاتصالات القلقة من مستثمرين وعملاء يتساءلون عن إمكانية نقل الإنتاج إلى فيتنام أو بنغلاديش أو سريلانكا.

وقال المدير الإداري للشركة، سيفاراماكريشنان غاناباثي، للصحيفة البريطانية: "لقد كان الأمر جنونياً، فمع رسوم جمركية بنسبة 50%، لا مجال للتداول".

النفط الروسي

أما صحيفة "واشنطن بوست" فقد ركزت على البعد الجيوسياسي للقرار، فقد برر ترامب رفع الرسوم بمشتريات الهند من النفط الروسي، متهماً نيودلهي بإعادة بيع جزء من هذا النفط في السوق المفتوحة لتحقيق أرباح "على حساب دماء الأوكرانيين".

وقالت الصحيفة إن النفط الروسي يمثل 38% من واردات الهند النفطية، ما يجعل حسابات مودي صعبة، فالهند، رغم تحالفها الاستراتيجي مع واشنطن في مواجهة الصين، ما زالت تعتمد على موسكو في النفط والسلاح، حيث تأتي 36% من واردات الأسلحة الهندية من روسيا.

داخل الهند، تحولت الأزمة إلى ورقة ضغط سياسية، حيث وصف حزب المؤتمر المعارض مودي بأنه "ضعيف"، وأن محاولاته لكسب ود ترامب عبر التجمعات السياسية المشتركة "لم تُثمر إلا القليل"، وفق صحيفة "واشنطن بوست".

وفي خطابه بمناسبة عيد الاستقلال، اختار مودي أن يُلمّح من دون أن يذكر اسم ترامب، داعياً إلى "الاعتماد على الذات" ومذكراً الهنود بكلمات غاندي حول الحرية الاقتصادية، لكن الرسالة بدت للكثيرين، كما وصفتها "نيويورك تايمز"، خطوة إلى الوراء في مسيرة الانفتاح التجاري.

مخاوف المستثمرين والأسواق

تعاملت الأسواق الهندية بهدوء نسبي مع الصدمة، إذ رأى بعض المستثمرين أن الرسوم ليست سوى "تكتيك تفاوضي"، كما نقلت "فايننشال تايمز"، لكن شركات عدة حذرت من أن استمرار المعدل المرتفع بعد 2025 سيؤدي إلى انسحاب بعض المستثمرين الأجانب.

ومن جانبها، حذرت وكالة موديز للتصنيف الائتماني من أن فجوة الرسوم الجمركية مع بقية دول آسيا ستقيد بشدة طموحات الهند الصناعية.

وأبلغت شركات كبرى أخرى، مثل "بهارات فورج" لمكونات السيارات، و"جاش للهندسة" لمعدات المياه، المحللين بأن حالة عدم اليقين بشأن الرسوم تُشكل "أكبر مشكلة تواجهها الشركة اليوم".

وبحسب رئيس مجلس ترويج صادرات الملابس في الهند، سودهير سيخري، فقد يخسر قطاع الملابس وحده 5 مليارات دولار خلال سبعة أشهر فقط.

التوازن التجاري

لطالما اعتبر ترامب أن الرسوم الجمركية ستعيد التوازن التجاري وتحسن الوضع المالي للولايات المتحدة، لكنه يستخدمها أيضاً أداة سياسية خارجية، ملوحاً بفرض حواجز على دول عدة، إلا أن "واشنطن بوست" أكدت أن المستوردين الأمريكيين، لا المصدرين الهنود، هم من يتحملون التكلفة المباشرة للرسوم، ما يعني أن المستهلك الأمريكي سيواجه أسعاراً أعلى.

ورغم أن بعض المراقبين يتوقعون التوصل إلى اتفاق في اللحظات الأخيرة، فإن الرسوم المفروضة وضعت نيودلهي أمام تحديات اقتصادية واجتماعية وسياسية ضخمة، فالملايين من العمال في صناعة السجاد والمنسوجات والمجوهرات والأحياء المائية يعيشون اليوم في قلق دائم على مستقبل وظائفهم.

كما يواجه التحالف الاقتصادي والسياسي بين واشنطن ونيودلهي اختباراً غير مسبوق، حيث يقف النفط الروسي في قلب الصراع، وفيما يحاول مودي التمسك بمبدأ "الاعتماد على الذات"، يرى خبراء التجارة أن هذا قد يُضعف الهند أكثر مما يقويها.

وفي كلمات خان، صانع السجاد في بهادوهي، يتجسد المأزق كله: "سيكون الوضع الأسوأ لأهل قريتنا وعمالنا ونسّاجينا.. لن يكون هناك حل لهم، ما لم يكن هناك حل بين حكومتي بلدينا".




 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية