من الفنادق إلى الفضاء الرقمي.. كيف وسّعت أزمة الهجرة دائرة العنصرية في بريطانيا؟

من الفنادق إلى الفضاء الرقمي.. كيف وسّعت أزمة الهجرة دائرة العنصرية في بريطانيا؟
فعاليات مناهضة للجرة في بريطانيا

تشهد المملكة المتحدة حالياً موجة متزايدة من التوترات والتظاهرات ذات الطابع المعادي للأجانب، تصاحبها تحوّلات في خطاب طبقة سياسية واسعة الامتداد ونقاش عام يحتكّ باستفزازات عنصرية واضحة وبتبريرات سياسية مرتبطة بأزمة الهجرة. 

هذه الظاهرة وفق صحيفة "الأوبزرفر" البريطانية لا تقتصر على احتجاجات محلية أمام فنادق إيواء طالبي اللجوء، بل تمتد إلى العنف اللفظي والتهديدات الإلكترونية وارتفاع حالات الاعتداء على أماكن العبادة والمجتمعات الدينية، في وقت تتدخل مؤسسات رقابية ومنظمات حقوقية دولية محذرة من مخاطر تراجع معايير الحماية والمساواة. 

مؤشرات وصور ميدانية

بلغت طلبات اللجوء حتى يونيو 2025 رقماً قياسياً بلغ نحو 111 ألف طلب، وبرزت أزمة استخدام الفنادق لاستيعاب طالبي اللجوء بوصفها عاملاً مضاعفاً للتوتر المحلي، ما أدّى إلى موجات احتجاجية في مدن عدة وصدامات مع ممارسات مضادة، وفي ظل هذا المناخ، وثّقت المنظمات الحقوقية والمؤسسات الصحفية حالات اعتقال ومواجهات وخطاباً تحريضياً أمام مواقع الإيواء.

في الوقت نفسه، تسجّل الإحصاءات الرسمية أن حقل جرائم الكراهية ديناميكي، وبينما انخفض إجمالي جرائم الكراهية المسجلة في بعض فترات الرصد السابقة، ارتفعت في المقابل جرائم الكراهية الدينية وحالات الاعتداءات المرتبطة بالتوترات الإقليمية، ما يعكس تحولاً في مضمون الأحداث.

محركات متعددة ومتشابكة

يمكن حصر محركات ارتفاع الشعور العدائي والعنصرية في مزيج من عوامل مادية وسياسية وإعلامية، منها ارتفاع أعداد طالبي اللجوء، والضغط على خدمات الإيواء والخدمات المحلية جعل الهجرة قضية يومية في المجتمعات المحلية وزاد من الإحساس بالمنافسة على الموارد، كما أدت كلمات وسلوكيات من بعض السياسيين والفاعلين العامين إلى توسيع ما يُعتبر مقبولاً من الخطاب السياسي تجاه المهاجرين، فعبارة رئيس الوزراء عن خطر أن نصبح جزيرة من الغرباء استُقبلت بانتقادات على خلفية تشابهها مع خطاب تاريخي أثار جدلاً واسعاً.

بالإضافة إلى أن توسع نفوذ شبكات التواصل وانتشار المعلومات المضللة يغذي بناء سرديات تُقدّم المهاجرين كأنهم سبب لمشكلات مجتمعية معقّدة، ما يسهل تعبئة مجموعات يمينية أو قومية للنزول إلى الشارع، وأخيراً، تستفيد المجموعات المنظمّة والجماعات المتطرفة من هذه البيئة لتجنيد أنصار وممارسة الضغط عبر تظاهرات ممنهجة. 

وأصدرت منظمات مرموقة تحذيرات علنية، فقد وثقت منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش ومنظمات محلية مثل Hope not Hate تنامي خطاب الكراهية والتحريض، ودعت إلى إسناد إجراءات حماية فعّالة للمجتمعات المستهدفة ومحاسبة مرتكبي العنف والتحريض.

من جانبها، أعربت هيئات أممية ومنتدَيات دولية معنية بمناهضة العنصرية عن قلقها من خطاب سياسي عام يسهّل انتشار خطاب الكراهية، ودعت المجلس الوطني والهيئات الحكومية إلى اتخاذ تدابير ملموسة لمنع التحريض وحماية الأقليات، كما حذّرت مفوضيات إنفاذ الحقوق من خطورة توظيف أدوات المراقبة التكنولوجية دون ضمانات مضادة قد تُفاقم التمييز، فيما سجلت تقارير مستقلة زيادة في الاعتداءات على أماكن العبادة خلال فترات التوتر الإقليمي.

الإطار القانوني والالتزامات الدولية

توفّر التشريعات البريطانية، وعلى رأسها قانون المساواة لعام 2010، حماية من التمييز على أساس العِرق والدين والأصل القومي، كما تُلزم الدولة احترام التزاماتها الدولية المنبثقة عن الاتفاقيات الدولية واتفاقية حقوق الإنسان الأوروبية، وفي المقابل، تنبه هيئات رقابية إلى أن النصوص وحدها لا تكفي إذا لم تُستكمل بإجراءات تطبيقية وموارد للشرطة والنيابات والمحاكم المدنية، فضلاً عن سياسات وقائية في مجالات التعليم والإعلام والخدمات المحلية، كما دعت منظمات حقوقية إلى التوافق بين سياسات الهجرة ومعايير حقوق الإنسان لضمان ألا تُحتضن ممارسات منافية للكرامة الإنسانية تحت ذريعة ضبط الحدود. 

تتجلى الآثار في شعور أقليات متزايد بعدم الأمان في أماكن عامة وفضاءات العمل والمدارس، وفي ارتفاع الضغوط النفسية والاجتماعية التي تقوّض قدرة الأسر على الاندماج، كما تؤثر الظاهرة على حرية التعبير والمشاركة المدنية؛ إذ تتراجع ثقة الأقليات في قدرة الدولة على حمايتهم، ويتردد بعضهم عن المشاركة السياسية أو الظهور في الأماكن العامة، واقتصادياً، تؤدي المواجهات والاحتجاجات إلى توتر في الأسواق المحلية وعبء أمني إضافي على المجالس المحلية والشرطة، وعلى المستوى الدولي، تؤثر مناخات الهجرة وخطاب الهوية على صورة بريطانيا ومرونتها الدبلوماسية بشأن قضايا حقوق الإنسان. 

وتدعو المنظمات الحقوقية والحراك المدني إلى حزمة إجراءات متوازنة تشمل خطاباً رسمياً واضحاً وصريحاً يدين العنصرية بكافة أشكالها، وسياسات هجرة شفافة ومنصفة ترافقها خطط استيعاب واندماج محلية مدعومة بتمويل وآليات رصد جنائي فعّالة وموارد للشرطة للتحرّي والقبض على مرتكبي جرائم الكراهية، وحماية قانونية أكثر قوة للصحفيين والمدافعين عن الحقوق، وتنظيماً رقابياً للتعامل مع المعلومات المضللة على المنصات الرقمية، كما تُطالب منظمات دولية بإشراك المجتمع المدني والأقليات في تصميم الحلول ومراعاة الالتزامات الدولية في كل خطوات الإصلاح. 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية