أزمة الإيواء في بريطانيا.. محاكمات وملاجئ مؤقتة تفاقم معاناة المهاجرين
أزمة الإيواء في بريطانيا.. محاكمات وملاجئ مؤقتة تفاقم معاناة المهاجرين
أعلنت وزارة الداخلية البريطانية نداءً عاجلاً للعثور على خمسة آلاف وحدة سكنية لاستيعاب ما يصل إلى عشرين ألف مهاجر، بعد حكم قضائي بمنع استخدام أحد فنادق الإيواء في إسيكس (فندق "بيل")، ما أجبر الحكومة على مراجعة خطط الإيواء الطارئة وسرّع الطلب على بدائل سكنية قصيرة الأجل.
القرار القضائي ترك آلافاً في حالة من عدم اليقين، بينما تؤكد بيانات رسمية أن أكثر من 32 ألف شخص يقيمون حالياً في نحو 200 فندق في المملكة المتحدة، في مستوى يقترب من معدلات العام الماضي على الرغم من وعود حكومية بإنهاء الاعتماد على الفنادق، وفق صحيفة "التليغراف" البريطانية.
أصدر القضاء قراراً مؤقتاً يقيّد استخدام فندق في إسيكس لإيواء طالبي لجوء، مستنداً إلى أحكام متعلقة بتغيير "الغرض" من استخدام المبنى دون تصاريح تخطيطية مناسبة، ولم يتناول الحكم منطقاً سياسياً بقدر ما استند إلى إجراءات قانونية وتقنية، لكنه فتح الباب أمام مجالس محلية أخرى لرفع دعاوى مماثلة، ما يعرقل خطط الوزارة ويضاعف الضغط على قدرات الإيواء القليلة المتاحة وأصحاب القرار الآن أمام خيارين إما الطعن في القرارات القضائية أو إعادة توزيع الآلاف إلى بدائل قد تكون أقل ملاءمة أو أكثر تكلفة.
احتياجات بموارد محدودة
الأرقام الرسمية الأخيرة في بريطانيا سمحت بفهم أوسع للأزمة فهناك أكثر من 111 ألف طلب لجوء قُدِّمت خلال سنة حتى يونيو 2025، ونحو 32 ألف شخص يقيمون في فنادق بنهاية تلك الفترة، وهذا التدفق المتواصل يفرض على الحكومة محاولة تلبية احتياجات عاجلة بموارد محدودة، بينما تستدعي كلفة إقامة المهاجرين في الفنادق مبالغ كبيرة مقارنة ببدائل الإسكان الدائم أو السكن المتناثر، ما يضع صانعي السياسات أمام موازنة صعبة بين الاقتصاد السياسي وواجبات الحماية، وفق صحيفة "الغارديان" البريطانية.
منظمات حقوقية وإغاثية منها "هيومن رايتس ووتش" ومفوضية شؤون اللاجئين تحذر منذ سنوات أن الفنادق ليست مناسبة للإيواء طويل الأمد حيث تقيّد الخصوصية، وتضعف الحماية للأطفال والنساء، وتقلل من فرص الوصول إلى خدمات متخصصة كالصحة النفسية والتمكين القانوني.
ورصدت تقارير ميدانية شكاوى متكررة عن سوء ظروف المعيشة، والطعام غير المناسب، ونقص البروتوكولات الأمنية التي تحمي المقيمين من العنف أو الاستغلال، ودعت المنظمات الحكومة إلى توفير بدائل يستند توفيرها إلى معايير استقبال دولية تضمن كرامة المقيمين وحقوقهم في الحماية واللجوء.
ردود المنظمات والنداءات الدولية
ردود فعل منظمات حقوق الإنسان كانت حادة ومزدوجة حيث تطالب بالحدّ من استخدام الفنادق لأنها "غير ملائمة وغير مستدامة" وتؤكد أن الحكم القضائي لا يجوز أن يتحول إلى ذريعة لإحداث مزيد من الانتهاكات أو التشرد، وقد طالبت منظمات وطنية مثل Refugee Council ومطالب أخرى موقعة من أكثر من مئة منظمة بتحرك حكومي فوري لإيجاد حلول سكنية لائقة.
الحكم القضائي فجّر معارك سياسية، فقد دعت أحزاب معارضة ومجالس محلية إلى تطبيق قوانين التخطيط أو اتخاذ إجراءات قضائية لإجبار الحكومة على إخلاء الفنادق، بينما تعتبر حكومة حزب العمال أن الاعتماد على الفنادق "غير مستدام" وتسعى لتقليل استخدامها حتى 2029.
وفي الوقت ذاته، يضغط بعض أرباب العمل والمجالس على الحكومة لإيجاد استثناءات أو حلول عملية سريعة، بمن في ذلك زيادة السكن المؤقت عبر شراء أو استئجار عقارات فارغة وتحويل مساكن طلابية أو أبراج مهجورة إلى مساكن طارئة.
سياسات قصيرة الأمد
تكلفة إقامة طالب لجوء في فندق أعلى بكثير من خيارات الإسكان المنتشر أو المستدام، حيث تشير تقديرات صحفية إلى فروق كبيرة في التكلفة اليومية للفنادق مقابل أماكن الشقق المخصصة، وهذه الفروقات جعلت من خيار النقل إلى بدائل أقل تكلفة أمراً ملحّاً لدى صنّاع القرار، لكن الانتقال السريع دون تخطيط يواجه عقبات عملية وقانونية واجتماعية، إضافة إلى معارضة مجتمعية في مناطق قد تُستخدم لسكن المهاجرين.
الآثار المحتملة قصيرة الأمد تتمثل في تشريف آلاف الأشخاص من المهاجرين، وزيادة الضغوط على مراكز الإيواء البديلة، وتصاعد الاحتقان المجتمعي الذي قد يستغله المتطرفون، و تستدعي الأزمة إصلاحات رسمية تشمل تسريع إجراءات اللجوء لتقليل مدة الإقامة المؤقتة، واستثمار في سكن موزع ومدمج اجتماعياً، ووضع بروتوكولات حماية أفضل داخل مواقع الإيواء، وتنسيق مع المجالس المحلية لتخفيف مخاوف التخطيط والخدمات، كما تطالب منظمات حقوقية بآليات إنسانية للتعامل مع الحوادث الأمنية دون تعميم الإخلاء على مجموع السكان المهاجرين، بحسب "هيومن رايتس ووتش".
الأزمة الحالية هي اختبار عملي لقدرة النظام البريطاني على الجمع بين السيطرة على الحدود واحترام التزامات الحماية الإنسانية، فإغلاق فندق واحد قضائياً كشف هشاشة استراتيجية الإيواء القائمة على حلول طارئة ومكلفة، وأعاد إلى الواجهة سؤالاً مركزياً: كيف تؤمّن الدولة إسكاناً كريماً ومستداماً لطالبي اللجوء من دون إهدار أموال عامة وبمعايير تحمي الصحة والأمن والكرامة؟