قتل الأئمة والقساوسة.. كيف تحاول إسرائيل تدمير البنية الدينية والثقافية للفلسطينيين؟
قتل الأئمة والقساوسة.. كيف تحاول إسرائيل تدمير البنية الدينية والثقافية للفلسطينيين؟
تشير الأرقام والشهادات المحلية إلى أن حرب غزة منذ 7 أكتوبر 2023 شهدت موجة واسعة من استهداف علماء الدين والخطباء والأئمة والمسيحيين وكنائسهم، إلى جانب تدمير واسع لمساجد ومواقع دينية تعود لقرون، ويطرح هذا النمط أسئلة حول الأهداف الاستراتيجية من وراء هذه الضربات، والتداعيات البنيوية التي تتركها على النسيج الاجتماعي والهوية الدينية في القطاع، إضافةً إلى أبعاده القانونية وفق قواعد القانون الدولي الإنساني وجريمتي الحرب والاضطهاد.
استهداف رجال الدين.. أسباب محتملة
وفق مراقبين فإن استهداف رجال الدين ودور العبادة يعود لعدة أسباب محتملة منها تحجيم المرجعية المجتمعية، فرجال الدين يشكّلون قامات اجتماعية وروحية تؤثر في الرأي العام المحلي، وتلعب أدواراً في تثبيت الروح المعنوية ودعوة السكان للصمود، واستهدافهم يضعف القدرة المجتمعية على الصمود المعنوي وينزع صوتاً ذا مصداقية محلية.
ومن بين الأسباب إفراغ الساحة من قيادات قادرة على التعبئة حيث يحدث القتل المتكرر لعلماء الدين والدعاة فراغاً قيادياً يسهّل فرض سردية مغايرة في مرحلة ما بعد القتال، ويُضعف قدرة المجتمع على تنظيم نفسه وطلب الحقوق، إضافة إلى التشويش على الوسطاء الاجتماعيين حيث رجال الدين غالباً ما يعملون كقنوات بين السكان والمنظمات الإنسانية والمحلية؛ واستهدافهم يعرقل تنسيق المساعدات ويزيد عزل السكان.
أرقام وأمثلة موثقة
تتحدث بيانات محلية وتقارير صحفية عن مقتل مئات من علماء الدين والأئمة خلال العمليات العسكرية في قطاع غزة، وتدمير مئات المساجد ومواقع العبادة، ونقلت تقارير عن وزارة الأوقاف والجهات المحلية أن العشرات إلى المئات من رجال الدين قضوا أو جرحوا حيث أسفرت الإبادة الجماعية عن مقتل 233 خطيبا وواعظا وإماما وداعية من المسلمين، و20 مسيحيا، في هجمات إسرائيلية استهدفت أنحاء مختلفة من القطاع، فيما دُمّرت مئات المساجد وتعرضت كنائس رئيسية لأضرار مادية، إضافة إلى سقوط قتلى وجرحى بين المدنيين الذين لجأوا إلى دور العبادة كملاذ.
حالات بارزة وعينات من الضحايا
من بين الشخصيات الدينية التي وردت أسماؤها في تقارير محلية دعاة معروفون وشيوخ وأئمة شغلوا مناصب تعليمية وإدارية دينية، أستشهد بعضهم في غارات على منازل أو أثناء تواجده في مساجد أو مخيمات للنازحين كذلك وثّقت تقارير ضربات أصابت كنائس من بينها كنيسة العائلة المقدّسة والكنيسة الأرثوذكسية في مواقع تحولت إلى ملاجئ للمدنيين، ما أسفر عن قتلى وجرحى وإلحاق أضرار تاريخية بتراث مسيحي محلي، وقد غطت المراجع الإعلامية الدينية والدولية (فاتيكان نيوز- رويترز) حوادث ضرب كنائس وإصابة قساوسة ونازحين داخل مجمعات دينية.
ردود المنظمات الحقوقية والأمم المتحدة
منظمات دولية لفتت الانتباه إلى خطورة استهداف المدنيين ومرافق العبادة؛ ومنظمات مثل هيومن رايتس ووتش وأمنيستي وثّقت أو أدانت ضربات اعتبرتها غير متناسبة أو قد تشكل انتهاكات خطيرة للقانون الدولي الإنساني، وناشدت لإجراء تحقيقات مستقلة ومساءلة المسؤولين،كما أدان مرجعيات دينية دولية وكنائس عبر العالم هجمات على دور عبادة واعتبرتها خرقاً للحماية الممنوحة لهذه المواقع، وقد باشرت المنظمة الدولية المعنية بالتراث (يونسكو) تقييم أضرار التراث الثقافي، وأكدت أن المواقع الدينية تُعد جزءاً من هذا التراث الذي تعرض لخسائر جسيمة.
البُعد القانوني: ما يقوله القانون الدولي
تُحمي قواعد القانون الدولي الإنساني المباني الدينية والعاملين في الخدمة الدينية والمدنيين عموماً، وتحظر توجيه هجمات متعمدة ضد أماكن العبادة أو المدنيين ما لم تتحول تلك المواقع إلى أهداف عسكرية مشروعة وفق معايير واضحة وثابتة، اتفاقيات وروح النظام الجنائي الدولي تصنف الهجمات الممنهجة على المدنيين أو التدمير الواسع للممتلكات المدنية ضمن جرائم الحرب أو، إذا ارتبطت بنمط ممنهج واسع، قد ترتقي إلى جرائم ضد الإنسانية تشمل الاضطهاد أو الإبادة.
مكتب المدعي في المحكمة الجنائية الدولية قدّم سابقاً شكاوى وطلبات متعلقة بصيغ اتهامية تتناول أفعالاً في السياق ذاته، ما يجعل المساءلة القانونية مطروحة عملياً إن توفرت أدلة موثقة وحماية لشهودها.
التداعيات الاجتماعية والثقافية والإنسانية
استهداف رجال الدين ودور العبادة يولّد تداعيات فورية وبعيدة منها انهيار شبكات الدعم المجتمعي، وتزايد النزوح والتشرد، وفقدان خدمات تبليغية وصحية واجتماعية كانت تقدمها المؤسسات الدينية، وتآكل الهوية الثقافية والدينية لمجتمعٍ تاريخي متنوع، وضرب المؤسسات الدينية التاريخية يؤثر أيضاً في الذاكرة الجماعية ويصعّب مهمة إعادة الإعمار الثقافي والاجتماعي لاحقاً، وهو ما أكدت عليه دراسات حول حماية التراث والأثر الإنساني لتدمير المواقع الدينية.
عوائق التحقيق والمساءلة
ثمة عقبات عملية وسياسية أمام فتح تحقيقات فعّالة تتمثل في صعوبة الوصول الميداني داخل قطاع غزة مع استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية، وفقدان الأدلة المادية، بجانب تحفّظ أو رفض أطراف دولية فاعلة لإحالة ملفات إلى آليات قضائية دولية، بالإضافة إلى الضغوط السياسية التي تحيط بملفات تُلامس قضايا سيادة وأمن، ورغم ذلك، تدعو منظمات حقوقية وأممٌ دولية إلى توثيق محكم وتشكيل آليات تحقيق مستقلة قادرة على حفظ الأدلة وحمايتها، وهو الإجراء الأولي الضروري لأي مسار قيمي أو قضائي لاحق.
توصيات ومخرجات ممكنة
تطالب منظمات حقوقية وأطراف مدنية بفتح تحقيق دولي مستقل ومحايد، حماية الشهود وتوثيق الأدلة، ضمان عدم إفلات مرتكبي الهجمات على دور العبادة من المساءلة، ربط عمليات إعادة الإعمار بشروط شفافة تشمل حماية التراث الديني، وتوفير ممرات إنسانية لحماية المدنيين والعاملين في الحقل الديني والإنساني، كما تدعو إلى احترام صارم لمعايير التمييز والتناسب في كل عمليات عسكرية مستقبلية.