بين الردع والعقاب.. مشروع ترامب يجدد الجدل الأمريكي حول جدوى الإعدام وشرعيته
بين الردع والعقاب.. مشروع ترامب يجدد الجدل الأمريكي حول جدوى الإعدام وشرعيته
تعهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بطلب عقوبة الإعدام في كل قضايا القتل التي تنظر فيها المحاكم الفيدرالية في واشنطن، في خطوة أثارت جدلاً قانونياً وحقوقياً، وجاء الإعلان نفسه على وقع إجراءات تنفيذية سابقة للرئيس لتوسيع نطاق استخدام العقوبة والمضي قدماً في سياسة الصرامة الأمنية التي يروّج لها، لكنه اصطدم بمحددات دستورية وقانونية محلية، وبمواقف راسخة لدى هيئات حقوق الإنسان والمنظمات الدولية التي تعتبر الإعدام انتهاكاً لحقوق الإنسان ولا يمثل رادعاً مثبتاً للجريمة.
وأُلغيت عقوبة الإعدام في 23 من أصل 50 ولاية أمريكية، في حين جمّدت ثلاث ولايات أخرى، هي كاليفورنيا وأوريغون وبنسلفانيا، تنفيذها. وواشنطن منطقة فيدرالية تخضع لسلطة الكونغرس، وبالتالي المحاكم الفيدرالية هي التي تتولى غالبية القضايا الجنائية فيها، ما يمنح الحكومة الفيدرالية صلاحية مبدئية لطلب عقوبة الإعدام وفق قوانين اتحادية محددة، لكن الواقع العملي معقّد، فالعاصمة نفسها ألغت عقوبة الإعدام على مستوى حكومتها المحلية في 1981، وسكّانها رفضوا إعادة العمل بها في استفتاء عام 1992.
إلى جانب ذلك، فإن الإدارة الفيدرالية لا تملك سلطة شبه أوتوماتيكية لتطبيق الإعدام دون المرور بإجراءات قضائية مطوَّلة، ومراقبة دستورية صارمة، واستئنافات قد تطول سنوات، وبحسب "واشنطن بوست" فإن صيغ الإعلان والتهديد السياسي قد تعكس نية، لكنها لا تلغي المناورات القضائية والسياسية التي قد تعترض طريق تنفيذ أي توسع بشكل فوري.
توجيهات وإجراءات سابقة
هذا التوجه ليس مفاجئاً بمعنى أنه يتماشى مع أوامر تنفيذية أصدرتها إدارة الرئيس دونالد ترامب أوّل العام لتوسيع نطاق السعي إلى حكم الإعدام على المستوى الفيدرالي، وطلبت فيها من المدّعين العامين الفيدراليين أن يدرسوا مزيداً من حالات العقوبة القصوى، لكن تلك التوجيهات نفسها وجدّت معارضة قانونية وسياسية واسعة وتخضع لمراجعات وقيود دستورية، كما أن الانتقال من نداء سياسي إلى تطبيق فعلي يعتمد على قرار المدّعي العام الفيدرالي وسير القضايا في المحاكم الفيدرالية.
تتباين السياسات الوطنية بشأن عقوبة الإعدام، لكن الاتجاه الدولي العام يميل بقوة نحو التقليص والإلغاء، فمكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان يشدّد على أن موجة إلغاء العقوبة تحظى بزخم عالمي، وأن المجتمع الدولي يمضي نحو تعزيز بدائل تحترم الحق في الحياة وتمنع العقوبات القاسية، وفي هذا السياق، ترى منظمات حقوقية دولية منها "أمنستي" و"هيومن رايتس ووتش" أن إعادة أو توسيع استخدام الإعدام يمثل انتهاكاً لالتزامات حقوق الإنسان، ويعزز منطق العقاب النهائي الذي لا يقبل الخطأ، ويترافق تاريخياً مع تحيّزات عنصرية وعشوائية في التطبيق.
الحجة الرئيسية التي يقدّمها مؤيدو تعزيز تطبيق عقوبة الإعدام هي أنها تشكل رادعاً قاطعاً للخاطفين والقتلة، لكن أبحاثاً ومؤسسات دولية تُظهر أن الدليل على فعالية الإعدام بوصفه رادعاً فاعلاً مقارنة بأحكام السجن المؤبد غير قاطع، لافتة إلى أن التأثير على معدلات الجرائم يعتمد أكثر على منظومة العدالة الجنائية المتكاملة، وجودة التحقيقات، وكفاءة المحاكم، ومعدلات ضبط السلاح، والسياسات الاجتماعية والاقتصادية، وبالتالي، الانتقال إلى سياسات تشديد عقابية من دون معالجة الأسباب البنيوية للجريمة قد يؤدي إلى نتائج محدودة أو ضارة مجتمعياً وفق منظمة العفو الدولية.
آثار إنسانية وحقوقية
إعلان السعي لزيادة الأحكام بالإعدام في العاصمة له انعكاسات محلية مباشرة تتجسد في توتر العلاقة بين مجتمعات الأقليات والجهات الأمنية، خاصة أن تطبيق الإعدام في الولايات المتحدة محاط ببيانات تاريخية عن تحيّز عنصري وإجراءات قضائية غير متكافئة، بجانب مخاطر زيادة الاستقطاب السياسي والاجتماعي، واتهام السلطات باستهداف جماعات بعينها، فضلاً عن وجود خلل في الإنصاف القضائي إذا أحاطت القضايا ضغوط سياسية أو زمنية لتحصيل أحكام صارمة، ومن هنا ينبثق خطر أن تكون الانتقادات الدولية والمنظمات الحقوقية أقل اهتماماً بالنقاش الداخلي في واشنطن، لكنها في الوقت نفسه ستستمر في مراقبة أي محاولات قد تُضعف ضمانات المحاكمة العادلة بحسب "هيومن رايتس ووتش".
وفقاً للمفوضية السامية لحقوق الإنسان ومنظمة العفو الدولية، إذا اختارت سلطة ما السير في اتجاه توسيع الإعدام، فإن الحد الأدنى من المتطلبات الحقوقية يجب أن يشمل وقفاً فورياً لأي تنفيذ حتى تُجرى مراجعات مستقلة لمعايير الإثبات وسير المحاكمات، وضمان محاكمات عادلة وعلنية، وإتاحة تمثيل دفاعي فعّال ومهني، وكذلك شفافية كاملة في التحقيقات والدفوع والأدلة، مع آليات رقابة قضائية مستقلة، بجانب مراجعة تأهيلية للأدلة الجنائية لمنع الأخطاء والإدانات الخاطئة، خصوصاً مع وجود سجون تاريخية لحالات برأت لاحقاً، وأيضاً تقييم مستقل لأثر التطبيق على المجموعات العرقية والمجتمعات الضعيفة إضافة إلى التزام الدولة بالحوارات الدولية ومراعاة التزاماتها بموجب المواثيق الدولية لحقوق الإنسان.
التركيز على الوقاية والدعم
من منظور إنساني وسياسي عملي، تعزيز الأمن لا يمرّ حصراً عبر تكرار عقوبة قصوى فتوصيات المنظمات الحقوقية والأممية تؤكد أهمية الاستثمار في سياسات وقائية طويلة الأمد تشمل إصلاحات الشرطة وإنفاذ القانون بحيث تضمن المساءلة والشفافية، وبرامج الحد من انتشار الأسلحة، واستثمارات في التعليم وفرص العمل للشباب، وخدمات الصحة النفسية، وبرامج إعادة تأهيل المدانين، كذلك يجب تقوية آليات الوصول إلى العدالة للجميع، وتحسين جودة التحقيقات الجنائية لمنع الإدانة على أساس أدلة هشة. هذه أجندة حقوقية وإنسانية تقطع الطريق أمام دائرة العنف وتبني ثقة مجتمعية تدفع نحو استقرار أكثر استدامة.