عطش الأهوار.. نزوح صامت لآلاف الأسر يهدد جنوب العراق
عطش الأهوار.. نزوح صامت لآلاف الأسر يهدد جنوب العراق
يشهد وسط وجنوب العراق كارثة إنسانية متفاقمة تتمثل في نزوح جماعي وصامت لآلاف الأسر من مناطقها الأصلية، بعدما تراجعت موارد المياه بشكل خطير نتيجة عدم وصول حصة العراق المائية.
وتحوّلت الأهوار التي طالما شكّلت رمزاً للحياة البيئية والحضارية في العراق إلى أراضٍ قاحلة، دفعت المزارعين والرعاة إلى ترك أراضيهم، في ظل غياب اتفاقيات ملزمة تنظم تدفق المياه بين بغداد وأنقرة، بحسب ما ذكرت وكالة "JINHA"، اليوم الأربعاء.
وأعلنت دائرة الهجرة والمهجرين في مدينة النجف أنّها استقبلت منذ عام 2023 ما يقارب 742 عائلة نازحة داخلياً، معظمهم من سكان الأهوار والمناطق الزراعية في وسط وجنوب العراق.
وأوضحت أنّ هؤلاء لجؤوا إلى النجف بعد أن فقدوا أراضيهم الزراعية ومصادر رزقهم بسبب التصحر والجفاف الناجم عن قطع المياه.
واقع مأساوي
أكدت الدائرة أنّ غالبية الأسر النازحة تعتمد على الزراعة كمصدر رزق أساسي، وقد استقر الكثير منهم في بلدتي الحيدرية والرضوي، حيث يقطنون في مساكن عشوائية ويبحثون عن أعمال بديلة تضمن لهم الحد الأدنى من المعيشة.
وأضافت أنّ الوزارة وفّرت مساعدات طارئة تشمل السلال الغذائية والرعاية الصحية، مع إدخال بياناتهم في قاعدة المعلومات الخاصة بالنازحين، لكن تلك الجهود لا تزال غير كافية أمام حجم المأساة.
عانت الأهوار العراقية لعقود طويلة من سياسات حرمان مائي، بدءاً من تجفيفها، وصولاً إلى الأزمات المتكررة التي خلّفتها مشاريع السدود التركية الضخمة مثل "إليسو"، والتي قلّصت بشكل حاد من منسوب نهري دجلة والفرات.
وتُعد هذه الأهوار جزءاً من التراث العالمي الذي أدرجته "اليونسكو" عام 2016، غير أنّه بات مهدداً بالاندثار في ظل استمرار سياسات حجب المياه.
أزمة بيئية
أدى انقطاع المياه إلى تراجع التنوع البيئي بشكل خطير، مع نفوق أعداد كبيرة من الجاموس والمواشي، وانكماش الرقعة الزراعية بشكل غير مسبوق.
ولم يتوقف الأمر عند حدود البيئة فحسب، بل تجاوزها ليخلق أزمة إنسانية خانقة، بعدما فقد آلاف العراقيين موارد حياتهم اليومية.
ويعيش النازحون اليوم في النجف وغيرها من المدن المستقبلة أوضاعاً صعبة، إذ لم تسجل الوزارة أي حركة نزوح عكسية، ما يعكس عمق اليأس من إمكانية العودة القريبة.
وتبقى هذه الأزمة مرشحة للتفاقم ما لم يتم التوصل إلى حلول عادلة تضمن للعراق حصته المائية، وتعيد للأهوار روحها التي لطالما شكّلت علامة فارقة في حضارة وادي الرافدين.