تقرير أممي: العقوبات الانفرادية وأزمة الديون تقوضان الحق في التنمية

تقرير أممي: العقوبات الانفرادية وأزمة الديون تقوضان الحق في التنمية
مجلس حقوق الإنسان في جنيف

كشف تقرير الفريق العامل المعني بالحق في التنمية التابع لمجلس حقوق الإنسان في دورته الـ60 التي تتواصل حتى 8 أكتوبر 2025، والذي اطلع «جسور بوست» على نسخة منه، تداعيات مروعة للتحديات العالمية المتصاعدة على تمتع الشعوب بحقها في التنمية، في مقدمتها التدابير القسرية الانفرادية وأزمة الديون الخانقة والتدفقات المالية غير المشروعة.

وجاء التقرير، ثمرة لأعمال الدورة السادسة والعشرين للفريق العامل، التي عقدت في جنيف خلال الفترة من 12 إلى 15 مايو 2025، برئاسة المقرر ضمير أكرم.

وفي سياق البيانات العامة، هيمنت على النقاش دعوات عاجلة من دول الجنوب ومنظمات المجتمع المدني لاعتماد مشروع العهد الدولي الخاص بالحق في التنمية، ليكون إطاراً قانونياً ملزماً. وأكدت أوغندا، باسم حركة بلدان عدم الانحياز، على أن جعل هذا الحق واقعاً للجميع هو حاجة ملحة.

من جهتها، سلطت جنوب إفريقيا الضوء على أهمية تنشيط الإرادة السياسية لإعمال الحق في التنمية للجميع، بما في ذلك وضع الصيغة النهائية لمشروع العهد، مشيرة إلى أن رئاستها لمجموعة العشرين تناولت موضوع التضامن والمساواة والاستدامة.

وفي إشارة إلى التحديات الهيكلية، دعت ماليزيا إلى تجديد الالتزام بتعددية الأطراف والتضامن الدولي والإصلاح العاجل للأنظمة المالية والتجارية الدولية، محذرة من تأثير التوترات الجيوسياسية والتدابير الاقتصادية الانفرادية على تطلعات التنمية في جنوب الكرة الأرضية.

العقوبات الانفرادية إرهاب اقتصادي

وخصص التقرير محورًا كاملًا للتدابير القسرية الانفرادية وتأثيرها المدمر على الحق في التنمية، خلال جلسة التحاور المخصصة، أوضحت ألبينا دوحان، المقررة الخاصة المعنية بالأثر السلبي للتدابير القسرية الانفرادية، أن هذه التدابير غالبًا ما تكون معقدة وتتجاوز العقوبات الاقتصادية، مؤكدة أن حتى ما يسمى بالعقوبات محددة الأهداف يمكن أن يكون له تأثير في شرائح واسعة من السكان بسبب الامتثال المفرط، ما يؤدي إلى آثار عابرة للحدود.

بدوره، وصف محسن قانعي، مدير مكتب هيئات معاهدات التنمية في وزارة الخارجية الإيرانية، هذه التدابير بأنها إرهاب اقتصادي وجريمة ضد الإنسانية، معربًا عن قلقه العميق إزاء الأثر المدمر فيها، ومنه ظاهرة الامتثال المفرط والآثار التي تتجاوز الحدود الإقليمية.

وأدان العديد من الوفود التدابير القسرية الانفرادية بوصفها غير قانونية وتتعارض مع القانون الدولي، حيث شكلت عقبات رئيسية أمام إعمال الحق في التنمية، مسلطين الضوء على عواقبها الإنسانية المدمرة وأهدافها المعلنة في الإكراه على التغيير السياسي أو الاقتصادي.

وكشف التقرير النقاب عن أن أزمة الديون تشكل تهديدًا وجوديًا للدول النامية. خلال جلسة التحاور، تحدثت سيلفيا جونز، الخبيرة المستقلة المعنية بتأثير الديون الخارجية، عن الآثار العميقة للديون في التمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مشيرة إلى الخلالفات الصارخة بين البلدان ذات الدخل المرتفع وتلك متوسطة ومنخفضة الدخل.

من جانبه، استعرض ليفيو سيريارو، مستشار برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، التقييم الذي خلص إليه البرنامج بشأن تأثر العديد من البلدان النامية تأثرًا حادًا بالديون، الأمر الذي تفاقم بسبب حالة عدم اليقين الجيوسياسية الأخيرة وقضايا التجارة العالمية. ودعا البرنامج إلى ثلاث أولويات: ضمان الوصول إلى عملية فعالة لإعادة الهيكلة، وطرح مبادرة شاملة جديدة لتخفيف عبء الديون، ومساعدة البلدان النامية على خفض تكاليف الاقتراض.

ضحايا التحديات العالمية

وحذر التقرير من التأثير غير المتناسب للأزمات المعاصرة على الأطفال والأجيال المقبلة. وخلال جلسة التحاور، أثارت هند الإدريسي، عضوة لجنة حقوق الطفل، مخاوفها بشأن التفاوت الكبير في تنفيذ اتفاقية حقوق الطفل داخل البلدان وفيما بينها، مسلطة الضوء على انتكاسات حديثة، ولا سيما الحصول على الرعاية الصحية والتعليم واستمرار التمييز والعنف.

وشدد التقرير على الحاجة إلى استثمار في تنمية الأطفال وضمان سلامتهم وتمكينهم من المشاركة، داعيًا إلى تجاوز لغة المصالح إلى لغة الحقوق واعتماد نهج نُظُمي وإدراج المساواة بين الأجيال في عملية صنع القرار.

وأكد التقرير الطبيعة الفردية والجماعية للحق في التنمية. وخلال جلسة التحاور، تحدث نيكو شريفر، الأستاذ الفخري للقانون الدولي، عن مفهوم حقوق الشعوب في سياق الحق في التنمية، مسلطًا الضوء على تطور ثلاثة مفاهيم قانونية رئيسية: تقرير المصير السياسي، وتقرير المصير الاقتصادي، والتنمية بوصفها حقًا من حقوق الإنسان.

من جانبها، تحدثت أبتيسا بريندالي ألفريد كأنبيفهام، نائبة رئيس آلية الخبراء المعنية بحقوق الشعوب الأصلية، عن حق هذه الشعوب في التنمية، مؤكدة أن تنميتها يجب أن تكون «تنمية ذاتية» تحترم ثقافتها وقيمها وتطلعاتها.

خريطة طريق مستقبلية

واختتم التقرير بمجموعة من التوصيات التي وجهها الفريق العامل إلى مختلف الأطراف. ودعا التقرير إلى قيام المفوض السامي لحقوق الإنسان ومفوضية حقوق الإنسان باتخاذ التدابير اللازمة لكفالة تخصيص الموارد على نحو متوازن وواضح، وإيلاء العناية الواجبة لإبراز الحق في التنمية. ومواصلة الفريق العامل تنفيذ ولايته من خلال إسهام قائم على التعاون.

كما حث الفريق على ضرورة عقد جلسات تحاور مع الخبراء المعنيين بهدف معالجة الآراء العالمية المتباينة. والنظر في عقد حلقة نقاش للاحتفال بالذكرى الأربعين لاعتماد إعلان الحق في التنمية في عام 2026. وعقد اجتماعات في مناطق جغرافية مختلفة للاستفادة من تنوع وجهات النظر والتحديات الإقليمية. 

وشدد التقرير في ختامه على أن التقدم المحرز في إعمال حقوق الإنسان بكامل طيفها هو الكفيل الوحيد بكبح الاتجاهات المدمرة التي يشهدها العالم اليوم، مؤكدًا أن الحق في التنمية حق فردي وأساسي لهذا التحول العالمي المنشود.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية