كارثة إنسانية.. النساء يواجهن الجوع والاغتصاب والموت في الفاشر
كارثة إنسانية.. النساء يواجهن الجوع والاغتصاب والموت في الفاشر
تعيش مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، مأساة إنسانية غير مسبوقة في ظل استمرار المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع التي حولت المدينة إلى ساحة حرب مفتوحة ودفنت تحت أنقاضها كل ملامح الحياة.
وتؤكد تقارير ميدانية أن المدينة باتت محاصرة بالكامل، في حين تمنع الأطراف المتقاتلة دخول المساعدات الإنسانية، ما أدى إلى تفاقم المجاعة وانعدام الغذاء والماء والدواء، وسط صمت دولي يثير تساؤلات عن مدى تواطؤ المجتمع الدولي مع هذه الكارثة الإنسانية، بحسب ما ذكرت وكالة "JINHA"، اليوم السبت.
وتفيد شهادات المدنيين بأن سكان المدينة، ومعظمهم من النساء والأطفال، اضطروا لتناول الأعلاف وبقايا الطعام للبقاء على قيد الحياة، بعد أن استُنزفت مخزونات الغذاء تماماً.
وتشير منظمات الإغاثة إلى أن الفاشر أصبحت مثالاً صارخاً للجوع القاتل الذي يصاحب النزاعات المسلحة في السودان، حيث تُستخدم المساعدات سلاحاً للابتزاز والضغط السياسي.
انتهاكات وجرائم ممنهجة
تتهم تقارير حقوقية قوات الدعم السريع بارتكاب جرائم ممنهجة ضد المدنيين، شملت القتل والاغتصاب والخطف، في حين يواجه الفارون من المدينة مصيراً مجهولاً في طرقات الموت أو في أيدي الميليشيات.
وتكشف هذه الوقائع عن نمط متصاعد من الإجرام المنظم الذي يتجاوز حدود المعارك العسكرية إلى استهداف الوجود الإنساني ذاته.
وصفت الناشطة الحقوقية حليمة محمد عبد الرحمن، الوضع في الفاشر بأنه "مؤلم إلى أبعد حدود"، مؤكدة أن كل أنواع الأسلحة المحرمة دولياً تُستخدم لإبادة المدنيين.
وقالت إن المدينة تشهد "حرب تكسير عظام" تُستهدف فيها النساء والأطفال تحديداً، مضيفة أن "النساء في الفاشر لم يعدن آمنات، فحين يحاولن الهروب من جحيم الحرب يتعرضن للاغتصاب في الشوارع دون تمييز بين طفلة أو مسنة".
وأكدت عبد الرحمن، أن ما يجري في دارفور يتجاوز كل وصف، مشيرة إلى أن الأطراف المتنازعة تتعامل مع أجساد النساء بوصفها "دروعاً بشرية"، في حين يُختطفن ويُعذبن وتُطلب الفدية من عائلاتهن في انتهاك صارخ لكل القيم الإنسانية.
تواطؤ وصمت دولي
وانتقدت الناشطة الحقوقية بشدة الموقف الدولي، معتبرة أن صمت العالم على مأساة الفاشر يمثل "خذلاناً متعمداً"، وقالت: "لقد خذلنا المجتمع الدولي، لأنه ببساطة يستفيد من استمرار هذا الصراع.. مصالحه تأتي قبل دمائنا".
وأضافت أن حتى بيانات التنديد الصادرة عن بعض الدول والمنظمات جاءت خجولة لا تعبّر عن عمق الألم السوداني ولا حجم المأساة.
ورأت عبد الرحمن أن ما يجري في الإقليم ليس حرباً داخلية فحسب، بل هو صراع معقّد تغذّيه أطماع خارجية في ثروات دارفور الغنية بالمعادن والمياه، مشيرة إلى أن المدينة تحولت إلى "ساحة لتصفية الحسابات الدولية والإقليمية".
وأوضحت أن الفاشر مركز اقتصادي واستراتيجي مهم، ما جعلها هدفاً لتدمير متعمّد "يهدف إلى تركيعها وإضعافها".
الاغتصاب سلاح للتركيع
وبيّنت الحقوقية أن استخدام الاغتصاب سلاح حرب ليس جديداً في دارفور، بل هو سياسة متجذرة منذ ثمانينيات القرن الماضي، واستُخدمت لإذلال المجتمعات المحلية وبثّ الرعب بين السكان.
وأشارت إلى أن النساء في النزاع الحالي كسرن حاجز الصمت وبدأن الحديث علناً عن الانتهاكات التي تعرّضن لها، مؤكدة أن هذا الوعي النسوي الجديد يمثل خطوة شجاعة في سبيل العدالة والمحاسبة.
ودعت عبد الرحمن إلى تحرك عاجل من قبل المجتمع الدولي والجمعيات النسوية والمنظمات الحقوقية لإحالة الجرائم المرتكبة في دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية، مؤكدة أن "العدالة هي الطريق الوحيد للسلام، والمصالحة لا تكون إلا بعد القصاص".
وفي ختام حديثها، شددت على أن النساء السودانيات "عشن الحروب طويلاً ولم يعرفن الأمان، لكنهن صبورات ومؤمنات بالنهضة"، مضيفة أنه "رغم الإبادة، قاومت النساء وصمدت من أجل الوطن. نساء دارفور قويات، وسينتصرن على الظلم، وسيلاحقن المجرمين مهما طال الزمن".










