بين الانتخابات والتعافي.. كيف تُعيد أزمة الحقوق صياغة أولويات السلطة الجديدة في كوت ديفوار؟

بين الانتخابات والتعافي.. كيف تُعيد أزمة الحقوق صياغة أولويات السلطة الجديدة في كوت ديفوار؟
مرشحو الانتخابات الرئاسية في كوت ديفوار

ذكرت منظمة العفو الدولية اليوم الاثنين أن الرئيس القادم لكوت ديفوار أمامه فرصة تاريخية وواضحة لإعطاء أولوية لحماية حقوق الإنسان لجميع سكان البلاد، وحددت المنظمة ست أولويات تتخطى حسابات السياسة الضيقة لتلامس قضايا يومية وحيوية مثل حرية التعبير والمصالحة والحق في بيئة صحية. 

وتأتي دعوات المنظمة في سياق استنفار عام للمجتمع المدني الذي يعتبر أن ملف الحقوق يشكل معياراً لشرعية أي سلطة جديدة بعد سنوات من التوترات السياسية والاجتماعية. 

المشهد السياسي

السياق السياسي والانتخابي الذي تُجرى في ظله هذه المطالب ليس بغريب على التوتر؛ أعلن الرئيس المنتهية ولايته ترشحه لولاية جديدة بينما شهدت مرحلة تحضيرية استبعاداً أو طعوناً في ملفات مرشحين بارزين ما أعاد إلى السطح مخاوف من انعكاس الخلافات السياسية على الاستقرار والحقوق الأساسية، مثل هذه الخطوط الحمراء في المشهد السياسي تغذي مخاطر العودة إلى ممارسة القمع أو استخدام أدوات القانون لتطويق الخصوم، وهو ما حذرت منه منظمات دولية عدة. 

من بين الملفات العاجلة التي أشارت إليها منظمات حقوق الإنسان عمليات هدم وإخلاء شُنت في مناطق متعددة من العاصمة أبيدجان خلال العامين الأخيرين، حيث وثّقت منظمات مستقلة ممارسات تمت أحياناً من دون إشعار كافٍ أو تعويض مناسب، ما أدى إلى تشريد آلاف العائلات وفقدان مصادر رزق مزارعين وصيادين، وطالبت منظمات مثل منظمة العفو بتعويض عادل وإعادة توطين آمن، معتبرة أن تعليق أو تأجيل هذه المطالب قد يؤدي إلى أزمة إنسانية متنامية وتقويض الثقة بين المواطنين والدولة. 

حرية التعبير والتجمع

حرية التعبير والتجمع تشكلان محوراً آخر في قائمة الأولويات التي طرحتها منظمات المجتمع المدني في كوت ديفوار فهوامش الإجراءات القانونية المتعلقة بما يُسمى بنشر “معلومات كاذبة” والقدرة على حل منظمات المجتمع المدني بمرسوم دون مسارات طعن فعالة، كلها عناصر أوجدت مناخاً قانونياً يُمكن استغلاله لتقييد النشاط المدني ونفخ حالة الخوف بين الصحفيين والمدافعين عن الحقوق، وترى منظمات حقوقية أن مراجعة التشريعات وتطبيق معايير دولية للحق في التجمهر وتكوين الجمعيات ضرورة إجرائية لطمأنة المجتمع الدولي والمحلي على مصداقية العملية الديمقراطية. 

العدالة الانتقالية

العدالة الانتقالية والحق في معرفة الحقيقة أيضاً من الملفات التي استجلبت انتقادات متواصلة، أظهرت أحداث ما بعد انتخابات 2010-2011 وما رافق ذلك من محاكمات وعمليات عفو أن المسارات القانونية لم تحقق دائماً إنصاف الضحايا، وأن الموازنة بين الاستقرار والمساءلة ظلت هشة، مع ذلك، يطالب المجتمع المدني بألّا تصبح المصالحة وسيلة لتجاوز محاسبة مسؤولين عن أعمال عنف، وأن يُعطى الضحايا وأسرهم سبل إنصاف حقيقية تشمل تحقيقات شفافة وتعويضات فعالة، وتقر هذه المطالب بأهمية إعادة تفعيل آليات قضائية فعالة محلياً وإقليمياً، وفق هيومان رايتس ووتش.

قضية أخرى حاسمة تتعلق بحقوق الأطفال وعمالة الأطفال، خصوصاً في قطاعات الزراعة مثل إنتاج الكاكاو، حيث تستمر تقارير دولية في الإشارة إلى استخدام أشكال خطرة من العمل على يد أطفال في بعض سلاسل الإمداد، ويُنتظر من الرئيس القادم إصراراً على إنفاذ قوانين حماية الطفل والتعاون مع الهيئات الدولية لتحجيم هذه الظاهرة التي تضر بصورة البلاد الاقتصادية والإنسانية. 

على المستوى القانوني والدولي، تُشير المراجعة إلى أن كوت ديفوار صادقت على عدد من المعاهدات الدولية والإقليمية، بما يشمل العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، ما يجعل من مطالب حماية الحقوق ليس مجرد توصية أخلاقية بل التزاماً قانونياً، في المقابل أثارت خطوة سابقة لسحب الإعلان الذي يمكّن الأفراد والمنظمات من الوصول المباشر إلى المحكمة الإفريقية جدلاً واسعاً بين المدافعين عن حقوق الإنسان، باعتبارها تقويضاً لقنوات المساءلة الإقليمية المتاحة للضحايا. 

ردود الفعل المحلية والدولية

 اتسمت ردود الفعل المحلية والدولية بمزيج من التحذير والدعوة إلى التعاون، فقد دعت منظمة العفو والعديد من الشبكات الحقوقية الإقليمية إلى أن تُشكل المؤسسة الرئاسية القادمة خريطة طريق واضحة تتضمن مراجعة التشريعات المقيدة للحقوق، وجدولة التعويضات لضحايا الإخلاءات، وحماية حرية الصحافة والتجمع. في المقابل، تراقب هيئات أممية بالتنسيق مع المجتمع الدولي مؤشرات الاحترام القانوني ومؤشرات السلامة، وتؤكد أن الفترة الانتقالية بعد الانتخابات ستكون لحظة فارقة لقياس التزام الدولة بالتعهدات الدولية. 

احترام حقوق الإنسان

التداعيات السياسية والاقتصادية لهذه الملفات لا تقل أهمية عن البعد الإنساني، فعدم معالجة انتهاكات الحقوق قد يؤدي إلى تآكل الثقة الداخلية ويهيئ مناخات احتجاجية يمكن أن تتصاعد، كما أن استمرار صور الانتهاكات يؤثر على مناخ الاستثمار والعلاقات الدبلوماسية، وفي وقت تنفذ فيه بلدان إقليمية ومجموعات دولية مراجعات لسياسات التعاون والمساعدات، فإن مؤشر احترام حقوق الإنسان بات عنصراً محورياً في تقييمات الشركاء الدوليين والمؤسسات المالية. 

أمام هذا المشهد، تقدم المطالب الحقوقية خريطة إجراءات واضحة تشمل تعزيز القنوات القانونية لعرض الشكاوى الوطنية والدولية، وإصلاح قوانين حرية التعبير وتسجيل الجمعيات، ضمان تعويض وإعادة توطين لمن تعرضوا للإخلاء القسري، حماية الناجين من العنف القائم على النوع الاجتماعي، ووضع خطة إنفاذ فعالة لحماية الأطفال من أسوأ أشكال العمل.

الانتخابات المقبلة في كوت ديفوار تشكل محاولة لتقويم عقد اجتماعي هشّ يعود إلى سنوات من التحولات السياسية، ووضعت المنظمات الحقوقية المحلية والإقليمية والدولية وضعت سقف مطالبها بوضوح: حقوق الإنسان ليست غطاءً سياسياً وإنما مقياس للسياسة العامة وشرط لاستدامة السلم الاجتماعي والتنمية، والرئيس القادم أمام اختبار عملي يمكنه من خلاله أن يحول خطاب الحقوق إلى سياسات قابلة للتنفيذ، أو أن يترك البلاد تدور حول حلقة مفرغة من التوتر والمساءلة الناقصة، وفي كلتا الحالتين ستظل عين المجتمع الدولي والحقوقي مسلطة على النتائج. 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية