بين الاعتقالات والقمع.. كيف يدفع المدنيون ثمن الحرب داخل مناطق الحوثيين باليمن؟

بين الاعتقالات والقمع.. كيف يدفع المدنيون ثمن الحرب داخل مناطق الحوثيين باليمن؟
ميليشيا الحوثي

تشهد مناطق سيطرة ميليشيا الحوثي في اليمن تدهوراً أمنياً وحقوقياً يؤثر بشكل مباشر في المدنيين، ويترجم بصور متكررة من القتل العشوائي واقتحامات المنازل والاعتقالات التعسفية والإخفاء القسري وزراعة الألغام. 

هذه الممارسات ليست حالات معزولة فحسب، بل تشكل نمطاً من الانتهاكات التي تزيد هشاشة السكان وتعرقل وصول المساعدات وتفاقم أزمة إنسانية راكمت اضطرابات على مدى سنوات الحرب، ويواجه اليمن بأكمله حاجة إنسانية واسعة تراكمت منذ اندلاع النزاع، حيث لا تزال أعداد كبيرة من السكان بحاجة ماسة للمساعدات الأساسية بحسب تقارير الأمم المتحدة. 

يمكن قراءة الانتهاكات الراهنة في إطار مجموعة عوامل مترابطة.. أولاً: استمرارية الوضع الحربي وأزمة الحكم جعلت بيئة سيطرة الحوثيين مرتعاً لزعماء مسلحين ومحسوبيات أمنية تعمل خارج إطار المحاسبة، ما عزّز ثقافة الإفلات من العقاب، ثانياً، التفسخ الجزئي لسلطة القانون وانهيار الآليات القضائية والإدارية في مناطق الصراع سمحا بتنامي ممارسات الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري، ثالثاً، تركيبة النزاع الإقليمي والدولي، وتأثير التحالفات الخارجية أدى إلى إضعاف الضغوط الدولية الفاعلة على الساحة المحلية لضمان احترام حقوق الإنسان وحماية المدنيين.

 تاريخياً، صعود الحوثيين من حركة محلية إلى سلطة فعلية في أجزاء واسعة من اليمن، والتصعيد المسلح منذ 2014–2015، شكّل الخلفية التي تفسر جزئياً هشاشة المدنيات أمام السطوة العسكرية. 

مظاهر الانتهاكات وتوابعها

تشمل الانتهاكات تقارير متسقة عن قتل واعتداءات واستخدام القوة المفرطة، إضافة إلى حملات مداهمات وعمليات اختطاف طالت مدنيين ومشايخ قبائل، كما نجمت حوادث مأساوية بوفاة نساء وأطفال نتيجة إطلاق نار عشوائي أو تفجيرات محلية، وإلى جانب ذلك، وثّقت جهات حقوقية اختفاء عشرات من موظفي الأمم المتحدة والعاملين في المجتمع المدني في مناطق الحوثيين، وهي حالة تنذر بمزيد من تعطيل عمل المنظمات الإنسانية وتهديد سلامة العاملين في الميدان، وفق "هيومن رايتس ووتش".

زراعة الألغام والمرتدة القتالية تشكل هاجساً يطول المدنيين من يومياتهم، ويحد من حرية الحركة ويعوق إجلاء الجرحى وإيصال الإغاثة، وتشير تقديرات أممية إلى أن الملايين في اليمن بحاجة لبرامج إزالة ألغام ومساعدة متخصصة، وأن الملوّثات المتفجّرة تقف حاجزاً أمام العودة الآمنة وإعادة الإعمار وسبل العيش، وهذا التلوث المتفجر يترك آثاراً مدنية طويلة الأمد، من وفيات وإعاقات إلى خسائر اقتصادية ومخاطر نفسية طويلة الأمد لدى الأطفال والأسر. 

تداعيات على الغذاء والصحة

تعرّض السكان للعنف والتهجير وفقدان السكن والعمل يمثّل تهديداً مباشراً لإمدادات الغذاء والصحة وتشير تحذيرات أممية بأن أخطار الجوع الحاد قد تصعد نحو حالات كارثية إذا لم تستمر وتتكثف المساعدات، في حين يبقى وصول المواد الطبية والوقود مقيداً في كثير من المناطق المتأثرة، ودون استجابة مستدامة كبيرة النطاق، فإن أعداداً إضافية من السكان قد تتدهور حالاتهم إلى ما يشبه الطوارئ الغذائية. 

منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية رصدت ونشرت تقارير تدين اعتقالات وإخفاءات وتعذيباً وقيوداً على حرية العمل الإنساني والصحفي، ووصفت بعض الهجمات التي طالت مدنيين بأنها قد ترتقي إلى جرائم حرب بمقتضى أحكام القانون الدولي الإنساني، وقد أدانت تقارير عدة مفارقات في المعاملة ومسارات الإفلات من العقاب، في حين دعت هيئات أممية مختصة سلطات الأمر الواقع إلى الالتزام بالمعايير الدولية وحماية المدنيين والسماح بوصول المساعدات بلا معوقات، وهذه الدعوات تركز على ضرورة إجراء تحقيقات مستقلة وشفافة ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات. 

ماذا يقترح المجتمع الحقوقي؟

تدعو منظمات محلية ودولية إلى إجراءات متكاملة تشمل إنهاء الاعتقالات التعسفية والإفراج عن المختفين قسرياً، ضمان حقوق المرأة وحماية المدنيين، وقف استخدام الألغام والمواد المتفجرة في المناطق السكنية، وتقديم منح ومساعدات طبية وغذائية قائمة على الحاجة، كما تطالب تلك الجهات بتعزيز آليات المراقبة والتحقيق الدولية، وتسريع برامج إزالة الألغام وإعادة تأهيل الضحايا، ونشر تدابير حماية للعاملين الإنسانيين والصحفيين، تكرر أيضاً المطالبة بفتح قنوات إنسانية محايدة ومستدامة للوصول إلى المتضررين بغض النظر عن انتماءاتهم الجغرافية أو السياسية.

تتطلب معالجة الأزمة نهجاً متعدد الأبعاد يجمع عمل المجتمع المدني المحلي، وضغوط المجتمع الدولي، ودعماً ملموساً لبرامج إزالة الألغام وبناء قدرات العدالة والشرطة المحلية المؤهلة لحماية المدنيين، كما أن أي مسعى للتصدي للانتهاكات لا ينجح دون آليات محاسبة حقيقية وشفافة، وإعادة تأهيل مؤسسات حكومية وقضائية تعمل وفق القانون، وضمانات لحرية العمل الإنساني والإعلامي، وعلى المدى الطويل، لا بد من حلول سياسية شاملة تقود إلى تقليص الاعتماد على الحلول العسكرية وتوفير مسارات لإعادة الدمج الاقتصادي والاجتماعي للمناطق المتضررة.

الانتهاكات في مناطق سيطرة الحوثيين ليست مجرد سلوكيات متفرقة، بل جزء من منظومة أوسع من مظاهر العنف التي خلّفتها سنوات الصراع في اليمن، منذ تفجّر النزاع في منتصف العقد الماضي، تراكمت آثار الصراع في حياة ملايين اليمنيين، وأصبح المسار الإنساني متداخلاً مع سياسيات الاقتتال الإقليمي والمحلي، مواجهة هذه التحديات تتطلب تضافر جهود محلية ودولية لإيقاف المعاناة اليومية، وإزالة المخاطر المتفجرة، وإعادة بناء مؤسسات تحمي المدنيين وتضمن احترام القانون والكرامة الإنسانية.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية