بلا ماء ولا مأوى.. استهداف مصادر الحياة يضاعف معاناة مليون نازح في غزة
بلا ماء ولا مأوى.. استهداف مصادر الحياة يضاعف معاناة مليون نازح في غزة
تقف منطقة المواصي غربي مدينة خان يونس في قطاع غزة شاهدة على مأساة يومية تتكرر أمام أعين العالم حيث يبحث نحو مليون فلسطيني نزحوا إليها على مرّ شهور الحرب عن قطرة ماء تروي عطش طفل أو تنظف جرح أمّ، بينما تتحول الخيام إلى مدن ضيقة لا تتعدى المسافات بينها سنتيمترات، وحياة الإنسان تختزل في طوابير أمام عبوات بلاستيكية فارغة، والمشهد في المواصي لا يكتفي بأن يكون فشلاً للمنظومة الإنسانية، بل يعكس سياسة ممنهجة في تجريد الناس من أبسط معايير الحياة.
المواصي تُروّج لها سلطات إسرائيل كمنطقة "إنسانية وآمنة"، لكن الواقع يتناقض بقسوة مع هذا الوصف، وفق وكالة أنباء الأناضول، فالنازحون يعيشون ازدحاماً شديداً بعد موجات نزوح متكررة، وعربات توزيع المياه تمر كل عدة أيام حاملة كميات لا تكفي لعدد الأسر الهائل، ما يترك العديد من العائلات ليمضي الأطفال فيها أياماً دون مياه نظيفة.
في مخيم النجاة وحده يقيم أكثر من ستين عائلة تُقدر بنحو ألف ومئتي شخص، حيث لا تفصل بين خيمة وأخرى أكثر من عشرات السنتيمترات، وفيما البعض ينام وسط روائح القذارة وتكدّس النفايات، يتشارك الجميع ما يردّ من مياه على أمل أن تكفي لليوم.
إلى جانب العطش، تتعرض المواصي لهجمات متكررة من طائرات ومسيّرات إسرائيلية أسفرت عن سقوط شهداء وجرحى من النازحين، فالقنابل تسقط قرب الخيام، والرصاص يتسلّل إلى صفوف النساء والأطفال، وحوادث مشتتة تقتل وتجرح بلا حساب، ما يجعل الأمن الجسدي مفقوداً في أكثر الأماكن تكدّساً بالسكان وهشاشةً بالموارد.
استهداف مصادر الماء
تشير الإحصاءات إلى أن استهداف منظومة المياه في قطاع غزة كان منهجياً، مع تدمير مئات الآبار ومصادر التعبئة منذ بداية العمليات العسكرية، ما أدى إلى خروج مئات الآبار عن الخدمة، وهذا الاستهداف يقف في قلب أزمة التعطيش التي تُجبر الأهالي على الاعتماد على نقل مياه محدود التكلفة وجودتها رديئة، كما يمنع النظافة الضرورية، ويزيد من خطر انتشار الأمراض المعدية، خصوصاً بين الأطفال وكبار السن.
غياب المياه وتنقيتها يرفع من مخاطر الكوليرا والأمراض المعوية وأمراض الجلد والتنفس، ويضع منظومة الرعاية الصحية تحت ضغط هائل مع تقلص الإمدادات الطبية، والأطفال هم الأكثر عرضة للجفاف وسوء التغذية، الأمر الذي يتطلب استجابة طارئة لمنع تدهور حالات قد تُكلّف أرواحاً.
وفق شهادات نازحين من قطاع غزة فالأيام تمرّ من دون مياه نظيفة لمدة تصل إلى خمسة أو ستة أيام، وأنهم يقتسمون القليل بين عشرات الأشخاص.. هؤلاء لا يطلبون أكثر من متنفس آمن لإكرام طاقتهم وإجلال إنسانيتهم، ويستنشدون المجتمع الدولي والدول الشقيقة بتحرك عاجل لوقف هذه المعاناة.
من الناحية القانونية والإنسانية، حرمان المدنيين من الوصول إلى الماء وخدمات الصرف الصحي يندرج تحت فئة انتهاكات تؤثر مباشرة على حق الحياة والكرامة الإنسانية، واستهداف البنية التحتية للمياه أو إخراجها عن الخدمة أثناء نزاع مسلح يعقّد قدرة السكان على البقاء ويُفاقم أزمة إنسانية قائمة، تاريخياً، مثل هذه الممارسات تقوّض إمكانات العودة الآمنة والعيش الكريم وتطيل آلام نزوح السكان.
الإطار الدولي والاستجابة
المنظمات الإنسانية دقّت ناقوس الخطر مراراً بشأن مخاطر انقطاع مياه الشرب وندرة الوقود لتشغيل محطات التنقية، والاستجابة الفعالة تتطلب فتح ممرات إنسانية دائمة وموثوقة، وتأمين قوافل مياه مستمرة، وإصلاح آبار وحفر جديدة عند الإمكان، وتزويد المخيمات بخزانات ثابتة ونظم توزيع منتظمة، كما أن حماية العاملين الإنسانيين وضمان وصولهم دون قيود هو مفتاح لتخفيف الأزمة على الأرض.
في المواصي، لا تُقاس المعاناة بالأخبار وحدها، بل تُقاس بعين طفل يطلب ماءً لا يُعطى، وبأمّ تجهد لتنظيف طفل مريض دون وجود قطرة تكفي، وتحويل منطقة مأهولة بهذا العدد الكبير من النازحين إلى مسرح لجوع الماء يعكس هشاشة السلم الإنساني وقصور آليات الحماية.