تقرير أممي: المنحدرون من أصل إفريقي يواجهون إرثاً متجدداً من التمييز والعنف

تقرير أممي: المنحدرون من أصل إفريقي يواجهون إرثاً متجدداً من التمييز والعنف
المنحدرون من أصل إفريقي- أرشيف

قدّمت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، تقريرًا شاملًا إلى مجلس حقوق الإنسان في دورته الـ60 المنعقدة في جنيف حتى 8 أكتوبر المقبل، سلط الضوء على الانتهاكات المتواصلة التي يتعرض لها المنحدرون من أصل إفريقي في مختلف مناطق العالم.

التقرير، الذي اطلع «جسور بوست» على نسخة منه، أكد أن هذه الفئة لا تزال تواجه تمييزًا عنصريًا ممنهجًا وإرثًا من الاستعباد والاستعمار، يتجلى في أنماط متكررة من العنف الشرطي، والإقصاء الاجتماعي، والحرمان من العدالة الاقتصادية والسياسية.

وأوضح التقرير أن الممارسات التاريخية المتمثلة في الاستعباد وتجارة الرقيق عبر الأطلسي تركت أثرًا عميقًا ومستمرًا على المجتمعات الإفريقية وأحفادهم، وأن السياسات التي تلت الاستقلال لم تكن كافية لتفكيك البُنى التمييزية التي ترسخت لقرون.

وأكد مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك أن التفاوتات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لا تزال قائمة بشكل صارخ، مع معدلات فقر وبطالة مرتفعة بشكل غير متناسب بين المنحدرين من أصل إفريقي، إلى جانب ضعف فرص الحصول على التعليم والرعاية الصحية والسكن اللائق.

وأشار التقرير إلى أن الاستعمار لم يكن مجرد حقبة تاريخية انتهت، بل هو منظومة مترابطة أثرت في تشكيل السياسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي ما زالت تعيد إنتاج التهميش والتمييز حتى اليوم، وشدد تورك على ضرورة الاعتراف الصريح بهذه الحقائق باعتبارها أساسًا لأي عملية إصلاح حقيقية.

عنف شرطي ممنهج

وخصص التقرير مساحة كبيرة لتسليط الضوء على الانتهاكات التي يرتكبها عناصر إنفاذ القانون بحق المنحدرين من أصل إفريقي، مؤكدًا أن العنف الشرطي لا يزال ظاهرة متكررة في عدد من الدول، مع حالات موثقة لاستخدام مفرط للقوة والقتل خارج نطاق القانون. 

وأوضح أن غياب آليات المساءلة الفعالة يعزز مناخ الإفلات من العقاب، ما يفاقم انعدام الثقة بين المجتمعات الإفريقية والسلطات، ورصدت المفوضية شكاوى متكررة من التمييز في ممارسات التوقيف والتفتيش، والاعتقالات العشوائية، والمعاملة القاسية في مراكز الاحتجاز. 

وأكد التقرير أن هذه الممارسات لا تعكس فقط انتهاكات فردية، بل هي جزء من سياسات مؤسسية وهيكلية متجذرة في أنظمة العدالة الجنائية.

وأبرز التقرير أن المنحدرين من أصل إفريقي يعانون من تمييز واضح في فرص العمل والولوج إلى الموارد الاقتصادية. 

ففي العديد من الدول، تظل هذه الفئة ممثلة بشكل ضعيف في القطاعات ذات الدخل المرتفع، بينما تتكدس في الوظائف ذات الأجور المتدنية أو غير الرسمية.

وأشار إلى أن الفجوات التعليمية تؤدي إلى استمرار دوائر الفقر والتهميش، وهو ما يكرس حالة الإقصاء الاجتماعي.

وفي المجال الصحي، أكد التقرير أن المجتمعات الإفريقية تواجه معدلات مرتفعة من الأمراض المزمنة، إلى جانب ضعف الخدمات الصحية المقدمة لها. 

وأوضح أن هذه الفجوات الصحية ليست نتيجة عوامل فردية فقط، بل تعكس سياسات ممنهجة تهمش هذه الفئة وتضعف قدرتها على الوصول إلى الخدمات الأساسية.

الفضاء المدني وحرية التعبير

لم يغفل التقرير الانتهاكات التي تطول المدافعين عن حقوق المنحدرين من أصل إفريقي. فقد أشار إلى أن العديد من النشطاء يتعرضون للمضايقات والاعتقالات بسبب عملهم على فضح أنماط التمييز والعنف.

وشددت المفوضية على أن تقويض الفضاء المدني يشكل خطرًا مباشرًا على قدرة المجتمعات الإفريقية على التعبير عن نفسها والمطالبة بحقوقها.

ورصد التقرير قيودًا مفروضة على مشاركة المنحدرين من أصل إفريقي في الحياة السياسية وصنع القرار، مؤكدًا أن غياب التمثيل الكافي يعكس استمرار التمييز المؤسسي.

وأكد تورك أن الديمقراطية الحقيقية لا يمكن أن تتحقق دون مشاركة كاملة وفاعلة لهذه المجتمعات.

العدالة التعويضية والمساءلة

من أبرز ما تضمنه التقرير دعوة المفوض السامي فولكر تورك إلى تبني مسار جاد نحو العدالة التعويضية. موضحا أن الاعتراف بالضرر التاريخي الناجم عن الاستعباد والاستعمار، وتبني سياسات تعويضية، يشكلان خطوة أساسية نحو الإنصاف والمصالحة.

وشدد على أهمية إنشاء آليات وطنية ودولية لضمان المحاسبة عن الانتهاكات المعاصرة، بما في ذلك التحقيق في حالات العنف الشرطي والتمييز العنصري الممنهج.

وأكد تورك أن العدالة لا تقتصر على محاسبة الماضي، بل تشمل أيضًا ضمان عدم تكرار الانتهاكات وتفكيك البنى التمييزية الراسخة في المؤسسات. 

وأشار إلى أن أي جهد لتحقيق المساواة يتطلب شراكة حقيقية مع المجتمعات الإفريقية، لضمان أن تكون جزءًا أساسيًا من الحلول والسياسات المستقبلية.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية