ديربان بعد ربع قرن.. تقرير أممي يكشف التحديات في مكافحة العنصرية والتمييز

ديربان بعد ربع قرن.. تقرير أممي يكشف التحديات في مكافحة العنصرية والتمييز
مجلس حقوق الإنسان - أرشيف

يعقد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة دورته الـ60 في جنيف، والتي تتواصل فعالياتها حتى 8 أكتوبر 2025. 

وفي هذا السياق، قدم الفريق العامل الحكومي الدولي المعني بالتنفيذ الفعّال لإعلان وبرنامج عمل ديربان تقريره الدوري الذي استعرض التقدم المحرز منذ اعتماد الإعلان في 2001، وسلط الضوء على التحديات المتبقية مع اقتراب الذكرى الخامسة والعشرين لانعقاده في 2026.

وبحسب التقرير الذي اطلع «جسور بوست» على نسخة منه، فإن العنصرية والتمييز العرقي وكراهية الأجانب لا تزال ظواهر مقلقة على الصعيدين الوطني والدولي، رغم مرور ربع قرن على إقرار الإعلان الذي يُعد المرجعية الأساسية في مكافحة العنصرية بجميع أشكالها.

إرث ديربان وتحديات التنفيذ

وأوضح الفريق العامل أن إعلان وبرنامج عمل ديربان جاء كتسوية تاريخية بين الدول الأعضاء لتوحيد الموقف العالمي ضد العنصرية، إلا أن التنفيذ العملي ظل متفاوتًا، إذ حققت بعض الدول إنجازات في التشريع والسياسات، فيما لا تزال أخرى تعاني من فجوات واسعة في التطبيق.

وأكد التقرير أن عام 2026 سيكون محطة مفصلية لإعادة تقييم الالتزامات الدولية وتجديدها، بما يضمن أن تبقى مكافحة العنصرية أولوية قصوى على أجندة مجلس حقوق الإنسان والأمم المتحدة بشكل عام.

ولفت التقرير إلى أن الأوضاع الجيوسياسية والاقتصادية العالمية ساهمت في تصاعد المخاطر المرتبطة بالعنصرية. فالأزمات الاقتصادية، والنزاعات المسلحة، وتغير المناخ، وحركات الهجرة الجماعية، كلها عوامل زادت من هشاشة الفئات الضعيفة، وجعلتها أكثر عرضة للتمييز والكراهية.

وأشار الفريق العامل إلى أن الهجمات العنصرية وخطاب الكراهية عبر الإنترنت باتا يمثلان تحديًا غير مسبوق، إذ استغلت جماعات متطرفة منصات التواصل الاجتماعي لنشر الأفكار المتعصبة، وهو ما يتطلب استجابة منسقة تشمل الحكومات والشركات التقنية والمجتمع المدني.

دور الفريق العامل والولاية

وذكر التقرير أن الفريق العامل الحكومي الدولي أُنشئ بقرار من مجلس حقوق الإنسان لمتابعة تنفيذ إعلان وبرنامج عمل ديربان، وتقديم التوصيات العملية لتعزيز التعاون الدولي. 

وقد عقد الفريق في العام المنصرم سلسلة مشاورات مع الدول الأعضاء والمنظمات الإقليمية والهيئات المتخصصة، بهدف تقييم التقدم المحرز، وجمع البيانات حول التحديات.

وأكد الفريق أن ولايته تستند إلى رصد العقبات وتقديم حلول واقعية، مع التركيز على تبادل أفضل الممارسات، وتشجيع الدول على دمج مبادئ ديربان في سياساتها الوطنية.

وبحسب التقرير، فإن الأرقام الواردة من عدد من الدول تكشف عن استمرار مستويات عالية من التمييز في التوظيف، والسكن، والعدالة الجنائية. كما أن الأقليات العرقية والدينية ما زالت تعاني من فجوات كبيرة في التعليم والرعاية الصحية.

وأشار إلى أن أكثر من 50 دولة أفادت بوجود خطط وطنية لمكافحة العنصرية، إلا أن التنفيذ الفعلي يظل محدودًا، وأن نصف هذه الدول فقط أبلغت عن نتائج ملموسة على الأرض.

وسجلت بعض الدول ارتفاعًا في جرائم الكراهية بنسبة تتراوح بين 15% و30% خلال الأعوام الأخيرة، وهو ما يعكس الحاجة إلى تشديد الرقابة وتطوير آليات الردع القانوني.

الذكرى الخامسة والعشرون

وشدد التقرير على أن إحياء الذكرى الخامسة والعشرين لإعلان وبرنامج عمل ديربان في عام 2026 يجب أن يكون مناسبة لتجديد الالتزام الدولي بمكافحة العنصرية. 

وأوصى الفريق العامل بأن تعقد الجمعية العامة للأمم المتحدة جلسة رفيعة المستوى، تستعرض فيها النجاحات والإخفاقات، وتضع خريطة طريق جديدة للسنوات المقبلة.

كما دعا إلى تخصيص موارد مالية وبشرية كافية لضمان أن تكون مكافحة العنصرية جزءًا لا يتجزأ من جميع برامج الأمم المتحدة، بما في ذلك التنمية المستدامة وبناء السلام.

وأفاد التقرير بأن خطاب الكراهية أصبح من أكثر التهديدات شيوعًا، خاصة عبر الفضاء الرقمي. 

مؤكدا أن التصدي لهذه الظاهرة يتطلب نهجًا متعدد الأبعاد، يجمع بين تشريعات وطنية فعالة، وآليات إنفاذ قوية، وجهود توعية مجتمعية، مع ضمان احترام حرية التعبير.

وأشار إلى أهمية التعاون مع شركات التكنولوجيا الكبرى، لوضع سياسات أكثر صرامة ضد المحتوى العنصري والتحريضي، وتطوير أدوات ذكاء اصطناعي قادرة على رصد الانتهاكات بشكل أسرع وأكثر دقة.

العدالة والمساءلة

وشدد الفريق العامل على أن مكافحة العنصرية لا تكتمل دون مساءلة مرتكبي الانتهاكات. 

وأوصى الدول بضرورة التحقيق في جرائم الكراهية والعنصرية، وتقديم المسؤولين عنها إلى العدالة، سواء كانوا أفرادًا أو جماعات منظمة أو حتى جهات رسمية.

كما طالب الفريق بإدماج مكافحة العنصرية في عمل المؤسسات الأمنية والقضائية، وتدريب موظفي إنفاذ القانون على احترام حقوق الإنسان، ومنع أي ممارسات تمييزية في التعامل مع المواطنين.

وأولى التقرير اهتمامًا خاصًا بالفئات الأكثر عرضة للتمييز، مثل المهاجرين، واللاجئين، والشعوب الأصلية، والأقليات الدينية والعرقية. وأكد أن هذه الفئات تعاني من تمييز مضاعف، سواء في الحصول على الخدمات الأساسية أو في التمتع بالحقوق المدنية والسياسية.

كما حذر من أن استمرار التمييز ضد هذه الفئات يهدد السلم الاجتماعي، ويؤدي إلى تفاقم النزاعات، ما يجعل إدماجها في السياسات الوطنية ضرورة أمنية بقدر ما هو التزام حقوقي.

عقد جديد من الالتزامات

وأكد الفريق العامل أن الطريق إلى القضاء على العنصرية ما زال طويلًا، لكنه ليس مستحيلًا إذا توافرت الإرادة السياسية والتعاون الدولي. 

واعتبر أن الذكرى الخامسة والعشرين لديربان فرصة تاريخية لإعادة الزخم لهذا الملف، وتحويل الالتزامات إلى نتائج ملموسة يشعر بها الأفراد في حياتهم اليومية.

واختتم التقرير بالتشديد على أن إعلان وبرنامج عمل ديربان ليس وثيقة تاريخية فحسب، بل هو أداة حية يجب تفعيلها باستمرار لمواجهة التحديات الجديدة، وضمان أن يعيش كل إنسان بحرية وكرامة ومساواة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية