مجموعات يمينية بريطانية تستهدف مهاجرين شمال فرنسا وسط تحذيرات من خطاب الكراهية
مجموعات يمينية بريطانية تستهدف مهاجرين شمال فرنسا وسط تحذيرات من خطاب الكراهية
يتكشف في شمال فرنسا مشهد مقلق يعكس تصاعداً غير مسبوق في نشاط مجموعات يمينية متطرفة قادمة من بريطانيا، تتخذ من مدينتي كاليه ودَنكرْك مسرحاً لملاحقة المهاجرين الذين ينوون عبور القنال الإنجليزي، واستهداف العاملين في المنظمات الإنسانية التي توفر لهم الحد الأدنى من الدعم، ويبدو أن هذه التحركات لم تعد مجرد مبادرات فردية، بل أخذت شكلاً منظماً يعبر الحدود ويعيد صياغة مفهوم التطرف العابر للدول، وسط تحذيرات من تبعاته على السلامة العامة والحقوق الأساسية لطالبي اللجوء.
زيارات منظمة تحت شعار حماية الحدود
صحيفة الإندبندنت البريطانية كشفت الجمعة في تقرير أن زعيم حزب يوكيب نِك تينكوني ظهر مراراً في مقاطع فيديو مصورة في شمال فرنسا، مرتدياً ملابس سوداء وموجهاً نداء مباشراً إلى الرجال في بريطانيا للمجيء إلى المنطقة وخلق ما سماه بيئة عدائية للمهاجرين، واعتبر تينكوني أن على البريطانيين واجباً يتمثل في مضايقة المهاجرين الفارين من ظروف قاسية في بلدانهم، مقدماً نفسه كقائد لحملة يقول إنها تهدف إلى حماية الحدود من ما أسماه الغزو المستتر.
وتأتي هذه التحركات في إطار مشروع أعلن عنه حزب يوكيب تحت عنوان مهمة حماية الحدود، وهو مشروع تمكن من جمع أكثر من 21000 جنيه إسترليني عبر التمويل الإلكتروني، ما يشير إلى وجود قاعدة دعم متنامية داخل بريطانيا تشجع على هذه الأنشطة، فمنذ توليه رئاسة الحزب في فبراير، نفذ تينكوني أربع زيارات إلى شمال فرنسا في يونيو ويوليو وسبتمبر ونوفمبر، وواجه خلالها مهاجرين وعاملين في منظمات إنسانية بشكل مباشر، في مشاهد وثقتها كاميرات هواتف وأجهزة محمولة.
تصعيد في أساليب الترهيب
لم يتوقف المشهد عند نشاط حزب يوكيب، إذ انضمت مجموعات أخرى مثل "ارفعوا الأعلام"إلى هذه التحركات، وشاركت في تصوير مهاجرين وهم نائمون تحت جنح الليل، ثم إيقاظهم بأضواء قوية لإرهابهم أو دفعهم إلى مغادرة مواقع تجمعهم، كما أبلغت منظمات إنسانية عن حوادث متكررة شملت إتلاف قوارب يستخدمها المهاجرون لعبور القنال وتمزيق سترات النجاة وسرقة الأغطية والمتعلقات الشخصية لمن لا يملكون شيئاً آخر.
وفي منتصف نوفمبر ظهر الناشط رايان بريدج وهو يخوض المياه باتجاه قارب صغير بينما يصرخ في وجه المهاجرين قائلاً إنهم غير مرحب بهم في بريطانيا، وظهر خلفه رجال يرتدون ملابس سوداء ويحملون كاميرات مثبتة على صدورهم، في مشهد يعكس تنظيم تحركاتهم واستخدامهم لوسائل التواصل الاجتماعي كمنصة للترويج لممارساتهم، وبعد أيام انضم إليه داني توماس، المعروف بقربه من الناشط اليميني المتطرف تومي روبنسون، وأعلن الاثنان أنهما دمرا زورقاً مطاطياً على أحد الشواطئ الفرنسية، ثم دعوا متابعيهم على "يوتيوب" إلى دعم حملتهم مالياً عبر الاشتراكات والإعلانات.
مهاجرون خائفون ومنظمات على خط النار
منظمتا "يوتيوبيا" و"كير فور كاليه" أكدتا تلقي شكاوى عديدة من مهاجرين تعرضوا للاعتداء من قبل بريطانيين وصلوا إلى شمال فرنسا لهذا الغرض، وتشمل الشكاوى سرقة أغطية وملابس ومواد أساسية، إضافة إلى الاعتداء اللفظي والتهديد باستخدام العنف، وفي بعض الحالات روى المهاجرون تعرضهم لإهانة صريحة بسبب لون بشرتهم أو ديانتهم، ما يزيد المخاوف من أن يكون هذا النشاط المتطرف أرضاً خصبة لاعتداءات عنصرية قد تتطور إلى أعمال أشد خطورة.
وفي 30 سبتمبر نشر حزب يوكيب فيديو يظهر رجالاً يقتربون من مهاجرين نائمين ليلاً، ويسلطون عليهم أضواء قوية بينما يرفعون أعلام بريطانيا ولافتة مكتوب عليها أن "الغزاة الإسلاميين غير مرحب بهم"، فيما يصرخ أحدهم قائلاً "لن تمروا"، هذا الاستخدام الممنهج للغة التحريض والعنف اللفظي يثير تساؤلات حول الهدف الحقيقي لهذه الحملة وما إذا كانت تسعى إلى توثيق ما تسميه هجرة غير شرعية أم تهدف إلى خلق حالة من الذعر بين المهاجرين ومن يساعدهم.
ارتفاع مستوى الخطر دفع منظمة "كير فور كاليه" إلى تعزيز إجراءات السلامة الخاصة بفرقها التطوعية، بما في ذلك تحديث تقييمات المخاطر ووضع بروتوكولات إخلاء أكثر صرامة وتقييد بعض الأنشطة الميدانية في ساعات الليل، وتقول المنظمة إن المشهد أصبح أكثر تعقيداً مما كان عليه قبل سنوات، حيث لم تعد التهديدات تقتصر على صعوبات العمل الإنساني في مناطق الهجرة، بل امتدت إلى التهديد المباشر من مجموعات منظمة تحمل خطاباً عدائياً واضحاً.
تحذيرات من تطبيع الاعتداء وتحويله إلى واجب
باحثون في مؤسسة "الأمل لا الكراهية" المتخصصة في دراسة الحركات المتطرفة أكدوا أن حزب يوكيب تحول في عهد تينكوني إلى حزب يعتمد السياسة في الشارع، ويقدم نفسه من خلال تحركات ميدانية مباشرة تركز على ثلاث رسائل أساسية هي القومية المسيحية ومواجهة ما يسميه أعداء اليمين ومحاولة إعادة الترحيل، ويقول الباحثون إن الزيارات المتكررة إلى شمال فرنسا تعمل على تطبيع فكرة مضايقة طالبي اللجوء وجعلها واجباً وطنياً، ما قد يشكل تهديداً حقيقياً لأي شخص غير أبيض أو غير مسيحي في بريطانيا أو فرنسا.
ويشير هؤلاء إلى أن تصاعد الخطابات اليمينية المتشددة يواكب زيادة في الاعتداءات ذات الطابع العنصري وتزايد استخدام العبارات المهينة في الشارع وعلى الإنترنت، ما يخلق بيئة خصبة للعنف ويسمح بتصاعد سياسات الإقصاء والكراهية.
رد يوكيب ومحاولة تبرير التحركات
من جانبه قال متحدث باسم حزب يوكيب إن الناشطين توجهوا إلى كاليه لتوثيق ما وصفه بغزو بريطانيا من مهاجرين غير شرعيين، مدعياً أن بعضهم تعرض للاعتداء من قبل المهاجرين أثناء وجودهم في محيط المخيمات، وذكر المتحدث أن تينكوني تعرض للبصق من قبل أشخاص يعملون في المنظمات الإنسانية، مؤكداً أن ناشطي الحزب لم يخالفوا القانون وأن وجودهم يندرج ضمن نشاط سياسي مشروع.
ويأتي هذا الدفاع في وقت تتزايد فيه الدعوات داخل فرنسا وبريطانيا لاتخاذ إجراءات تحد من وجود مجموعات متطرفة تستهدف مهاجرين يعيشون في ظروف قاسية، وتضع العاملين في المجال الإنساني في دائرة الخطر.
تحولت منطقة شمال فرنسا خلال الأعوام الأخيرة إلى نقطة تجمع رئيسية لآلاف المهاجرين الذين يسعون لعبور القنال الإنجليزي نحو بريطانيا، وغالباً ما يقيم هؤلاء في مخيمات غير رسمية تفتقر إلى الخدمات الأساسية، وتفاقمت معاناتهم بعد عمليات الإخلاء المتكررة من قبل السلطات الفرنسية ومنعهم من بناء ملاجئ دائمة، ما جعلهم عرضة للبرد والجوع والاستغلال، ومع تصاعد الخطاب اليميني المتطرف في بريطانيا منذ استفتاء خروجها من الاتحاد الأوروبي في عام 2016، بدأت مجموعات متشددة تتخذ من ملف الهجرة منصة لتوسيع نفوذها وإظهار قدرتها على الفعل الميداني، وتزامن ذلك مع انتشار محتوى تحريضي على منصات التواصل الاجتماعي يصور المهاجرين باعتبارهم تهديداً أمنياً وديموغرافياً، ما دفع بعض الأفراد إلى السفر إلى فرنسا للمشاركة في أنشطة تقول منظمات حقوقية إنها تحمل طابع الترهيب والعنف، وتستمر المنظمات الدولية في التحذير من أن استمرار هذه الممارسات قد يؤدي إلى تصعيد خطير في منطقة تعتبر أصلاً واحدة من أكثر نقاط أوروبا حساسية على مستوى الهجرة غير النظامية.











