بين غابات الأمازون وفواتير الفنادق.. التحديات اللوجستية تسبق قمة المناخ العالمية في البرازيل
بين غابات الأمازون وفواتير الفنادق.. التحديات اللوجستية تسبق قمة المناخ العالمية في البرازيل
قبل أسابيع من انعقاد قمة الأمم المتحدة لتغير المناخ (كوب 30) في نوفمبر المقبل بمدينة بيليم البرازيلية، تواجه عشرات الوفود تحدياً غير متوقع يتمثل في ندرة أماكن الإقامة وارتفاع أسعارها إلى مستويات غير مسبوقة، وصلت إلى أكثر من 500 دولار لليلة الواحدة في بعض العروض، وقد دفع الوضع دولاً، مثل لاتفيا وليتوانيا، إلى التفكير بالانسحاب أو الاكتفاء بمشاركة افتراضية، في سابقة قد تهدد شمولية الحضور في واحدة من أهم محطات التفاوض بشأن المناخ.
بيليم، المدينة المضيفة الواقعة عند مدخل غابات الأمازون، لا توفر سوى 18 ألف سرير فندقي، في حين يتوقع أن تستقبل القمة ما يقارب 45 ألف مشارك من قادة دول ومفاوضين وخبراء ومنظمات غير حكومية، واختيار المدينة جاء برمزية خاصة لتسليط الضوء على الغابة الكبرى في العالم، باعتبارها رئة الكوكب وركيزة رئيسية في امتصاص الانبعاثات الكربونية، لكن الرمزية البيئية اصطدمت بمعضلة لوجستية حقيقية.
حلول مؤقتة وضغوط متزايدة
لمواجهة الأزمة، يسابق المنظمون الزمن لتحويل سفن سياحية، وكنائس، وحتى ما يعرف بـ"فنادق الحب"، إلى أماكن إقامة بديلة، كما وعدت البرازيل بتخصيص غرف بأسعار معقولة للدول النامية، في حدود 220 دولاراً لليلة، وأخرى أقل من 600 دولار لوفود الدول الغنية. ورغم إطلاق منصة إلكترونية أظهرت لاحقاً أسعاراً تبدأ من 150 دولاراً، فإن الشكوك ما زالت قائمة بشأن كفاية هذه الحلول.
انتقادات من الوفود الأوروبية
وزير المناخ في لاتفيا عبّر عن استياء بلاده، فقال إن "التكلفة باهظة إلى حد غير مسبوق"، مشيراً إلى أن الوفد يدرس المشاركة عبر الفيديو حفاظاً على ميزانية الدولة، ليتوانيا بدورها لم تستبعد الغياب تماماً، بعدما وجدت أن تكلفة الإقامة للفرد تتجاوز قدراتها، وهذه المخاوف تعكس تحدياً أوسع: أن تصبح المشاركة في القمة امتيازاً للدول الغنية، في حين تواجه الدول الأقل دخلاً معوقات مالية تحول دون إيصال صوتها.
الأمم المتحدة أكدت أنها ستعزز دعمها المالي للدول الفقيرة لضمان حضورها قمة (كوب30)، لكن منظمات بيئية حذّرت من أن أي غياب سيؤثر في مبدأ “العدالة المناخية” الذي يقوم على إشراك الجميع، وخاصة الدول الأكثر تضرراً من الكوارث المناخية، في صياغة القرارات العالمية، فهذه الدول، رغم إسهاماتها الضئيلة في الانبعاثات، فهي الأكثر عرضة للفيضانات والجفاف والكوارث الطبيعية.
قمة المناخ ومعركة البقاء
منذ توقيع اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ عام 1992، تُعقد مؤتمرات الأطراف (كوب) سنوياً لتقييم الجهود العالمية في خفض الانبعاثات والتكيف مع تداعيات المناخ.
في كوب 21 بباريس عام 2015، تم التوصل إلى الاتفاق التاريخي الذي ألزم الدول بالعمل على حصر ارتفاع حرارة الأرض دون درجتين مئويتين، ويفضل عند 1.5 درجة، وفي قمة غلاسكو (كوب 26) في 2021 أكدت الحاجة إلى تسريع التخلص التدريجي من الفحم، وفي شرم الشيخ (كوب 27) 2022، تحقق تقدم مهم بإنشاء صندوق "الخسائر والأضرار" لدعم الدول الأكثر هشاشة، وأما في دبي (كوب 28) 2023، فقد تم التوافق للمرة الأولى على صياغة خطة للتخلي التدريجي عن الوقود الأحفوري.
قمة بيليم (كوب 30) تحمل أهمية استثنائية؛ لأنها ستشهد المراجعة العالمية الثانية لتنفيذ اتفاق باريس، في ظل مؤشرات تؤكد أن العالم يسير نحو ارتفاع يتجاوز درجتين مئويتين، وهو ما سيؤدي إلى كوارث مناخية غير مسبوقة.
مفارقة مؤلمة
بينما يُفترض أن تكون قمة بيليم ساحة لتجديد الالتزامات العالمية بمكافحة التغير المناخي وتعزيز التمويل للدول النامية، فإن الأزمة اللوجستية تكشف عن تناقض عميق فالدول الأكثر ضعفاً في مواجهة آثار المناخ قد تجد نفسها عاجزة عن الحضور بسبب تكاليف الفنادق، والمفارقة أن النقاش حول مستقبل المناخ العالمي قد يُعقد في قاعة يغيب عنها الأكثر تضرراً، وهو ما قد يضعف الشرعية الأخلاقية لأي نتائج يُتوصل إليها.
البرازيل وغابات الأمازون
تشكل البرازيل، وخصوصاً غابات الأمازون المطيرة، أحد أكثر الأمثلة وضوحاً على تداعيات التغير المناخي في العالم. فالأمازون التي توصف بـ"رئة الكوكب" تتعرض في السنوات الأخيرة لموجات جفاف وحرائق غير مسبوقة، ما يهدد قدرتها على امتصاص مليارات الأطنان من ثاني أكسيد الكربون. وتشير تقارير علمية صادرة عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ إلى أن مناطق واسعة من الأمازون بدأت تفقد صفة “خزان للكربون”، لتتحول في بعض الحالات إلى مصدر لانبعاثاته نتيجة إزالة الغابات وتسارع الحرائق.
وفي البرازيل، أدت هذه الظواهر المناخية إلى خسائر كبيرة في الزراعة التي تمثل أحد أعمدة الاقتصاد، كما زادت من هشاشة المجتمعات المحلية، خاصة الشعوب الأصلية التي تعتمد بشكل مباشر على موارد الغابة، وهذه المخاطر تجعل استضافة البرازيل لمؤتمر المناخ العالمي في قلب الأمازون حدثاً رمزياً يذكّر العالم بضرورة الإسراع في اتخاذ إجراءات ملموسة لحماية الغابة وإنقاذ مستقبل المناخ العالمي.
طالما شكلت غابات الأمازون ورقة تفاوضية محورية في المحافل الدولية الخاصة بالمناخ، حيث دأبت البرازيل على إبراز دورها بصفتها حامية لهذه الغابة التي تعد من أكبر الأنظمة البيئية في العالم وأكثرها تأثيراً في توازن المناخ. ففي مؤتمرات الأمم المتحدة السابقة، شددت الحكومات البرازيلية على أن الحفاظ على الأمازون مسؤولية مشتركة، لكنها في الوقت نفسه تحتاج إلى دعم مالي وتقني من الدول الصناعية الكبرى التي تتحمل النصيب الأكبر من الانبعاثات، وغالباً ما استخدمت البرازيل هذا الموقف ورقة ضغط، مطالبة بتمويلات سخية لصناديق حماية الغابات والاستثمار في التنمية المستدامة مقابل التزامات حقيقية بالحد من إزالة الغابات، كما أن الخطاب البرازيلي كان يتأرجح بين التلويح بخطر استمرار الاستغلال المفرط للغابة وبين تقديم نفسها شريكاً أساسياً في أي اتفاق دولي للحد من الانبعاثات، ما جعل الأمازون عنصراً استراتيجياً في موازنة المصالح البيئية والاقتصادية على الساحة الدولية.