أزمة نقص الوثائق.. كيف يحرم آلاف أطفال اللاجئين في لبنان من المدرسة؟

أزمة نقص الوثائق.. كيف يحرم آلاف أطفال اللاجئين في لبنان من المدرسة؟
إحدى المدارس اللبنانية- أرشيف

في بلد يعلن قادته أن التعليم أولوية وطنية، تواجه آلاف الأسر اللاجئة واقعًا مزلزلًا يمنع أبناءها من دخول الصفوف الدراسية، وعلى الرغم من تعهدات الحكومة الجديدة في لبنان برئاسة نواف سلام ووزيرة التربية ريما كرامي بالإصلاح وضمان حق التعليم، قررت السلطات في 30 سبتمبر الاستمرار بتطبيق شرط يقيّد تسجيل الطلاب غير اللبنانيين في نظام "الدوام الثاني" العام من خلال إبراز تصاريح إقامة صالحة أو بطاقة صادرة عن مفوضية اللاجئين من أجل التسجيل للعام الدراسي 2025–2026، وهذا القرار أعاد رسم خريطة الإقصاء أمام تلاميذ لاجئين يواجهون أصلا عوائق عديدة، وفق "هيومن رايتس ووتش".

وتتفاوت التقديرات الرسمية والمنظمات الدولية بين عشرات الآلاف ممن حُرموا من الالتحاق بالمدارس تشير تقارير يونيسف إلى أن أكثر من 28 ألف طفل غير لبناني مُنعوا من التسجيل بسبب نقص الوثائق، وتظهر تقارير أخرى للمنظمة نفسها أرقامًا أعلى تقارب 42 ألف طفل مستبعدين في فترات سابقة من الـ2025، ما يعكس ديناميكية مستمرة ومتصاعدة في نطاق الإقصاء، كذلك تفيد تقارير مفوضية اللاجئين بأن نحو 815 ألف لاجئ سوري مسجل من إجمالي نحو 1.5 مليون يقدَّر وجودهم في لبنان، ما يعكس فجوة تسجيلية كبيرة ومركبة تبلغ آثارها على الحق في التعليم، وفق "ريليف ويب".

تعود جذور أزمة الوصول إلى المدرسة في لبنان إلى عدة مكوّنات متداخلة أولها تغيّر السياسة منذ 2015 حين طُلب من مفوضية الأمم المتحدة التوقف عن تسجيل اللاجئين الجدد، ما خلق شريحة كبيرة بلا هوية تسجيلية أو دون سند رسمي معقد التصحيح، وثانياً، المتطلبات الإدارية المتزايدة ورسوم تجديد الإقامة وعقبات الوصول إلى المراكز المختصة حالت دون تجديد أو الحصول على تصاريح قانونية لمعظم الأسر، فتقلصت نسبة الحاصلين على إقامات صالحة إلى ما يقارب العشرين في المئة فقط، وفق رصد منظمات ولجان متخصصة، وثالثاً، تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في لبنان والضغط السياسي والانتقادات الشعبية تجاه اللاجئين عززتا نبرة تقييدية ترجمتها إجراءات رسمية تضع شروطًا تجعل المدرسة بعيدة عن متناول الكثيرين. 

تداعيات إنسانية بعيدة المدى

حرمان الطفل من التعليم لا يقتصر على فقدان المهارات المعرفية، بل يمتد إلى تداعيات نفسية واجتماعية واقتصادية، الأطفال خارج المدرسة أكثر عرضة للدخول في سوق العمل المبكر، للاستغلال، وللزواج المبكر؛ كما تتزايد مخاطر الاضطرابات النفسية والإقصاء الاجتماعي، وتشير بيانات إلى أن 41 في المئة من أطفال اللاجئين السوريين تخلفوا عن الالتحاق بالمدارس الابتدائية، وأن 81 في المئة لم يلتحقوا بالمدارس الثانوية في فترات الرصد، والمؤشرات تقرع ناقوس فقدان جيل تعليمي كامل إذا لم تُعالج السبل الحيوية للدمج. 

لبنان طرف في مواثيق دولية تقر بحقوق الطفل وحق التعليم بلا تمييز، أبرزها اتفاقية حقوق الطفل والعهود الدولية المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية التي تؤكد التزام الدول بتوفير التعليم لجميع الأطفال على قدم المساواة، وتقييد الوصول إلى التعليم على أساس وثائق الإقامة يُواجه بمساءلة أخلاقية وقانونية لدى المؤسسات الحقوقية الدولية التي تؤكد أن الحق في التعليم يجب أن يُنَفَّذ بآليات مرنة تحترم الواقع الإنساني للأسر اللاجئة. 

ردود فعل حقوقية وأممية

شهادات المنظمات الدولية ومنظمات حقوق الإنسان اعتبرت القرار جزءًا من سياسات تهميشية تدفع بالمتضررين إلى هامش المجتمع، وناشدت هيومن رايتس ووتش ومنظمات عدة الحكومة اللبنانية والساحة السياسية أن تتوقف عن رهن مستقبل الأطفال بالانتماء أو بوضع الإقامة في لبنان، وأن تتعاون مع المفوضية واليونيسف لتقديم حلول مرنة فورية، بما في ذلك استثناءات توثيقية وتشغيل برامج تعليمية بديلة حتى يُعاد فتح الباب أمام التسجيل الرسمي، وأبرزت اليونيسف ومفوضية اللاجئين برامج دعم للتعليم غير الرسمي والتعلم عن بعد كمداخل إغاثية لكنهما شددتا على أن الحل الدائم يتطلب سياسات شاملة وتيسير وصول الوثائق.

اقتصاديًا واجتماعيًا، خسارة جيل للتعليم تعني خفضًا في رأس المال البشري وإضعافًا لفرص النهوض مستقبلاً، ما يضاعف عبء الفقر والاعتماد على المساعدات، وسياسيًا يضع هذا الواقع لبنان أمام اختبار مصداقية التعهدات الحكومية التي رفعت شعار إصلاح التعليم، ويتطلب توازنًا بين مخاوف السيادة والحقوق الأساسية للطفل، وتصريحات الحكومة ورؤسائها التي تؤكد أن "التعليم أولوية" تواجه اليوم اختبارًا عمليًا أمام إقفال الأبواب أمام آلاف الأطفال. 

ووفق توصيات حقوقية أوردتها "هيومن رايتس ووتش" ينبغي أولاً إصدار قرار فوري بمرونة التسجيل يسمح بتسجيل الأطفال ببطاقات مفوضية اللاجئين المؤقتة أو قوائم انتظار مصحوبة بخدمات تعليمية مؤقتة حتى تُحل الإشكالية الورقيّة، وثانياً، إطلاق حملة وطنية لتخفيض رسوم وإجراءات تجديد الإقامة عبر آليات دعم دولية مشتركة، ثالثاً، توسيع برامج التعليم غير الرسمي والتعلم المكثف والمهني في لبنان لامتصاص الفجوة، مع دعم أوسع للأونروا والشركاء المدنيين، ورابعاً، آليات تمويل دولي ملموسة لدعم المدارس الرسمية وتدريب المعلمين والتخفيف من أثر الأزمات الاقتصادية على قدرة الدولة على الاستجابة، وهذه خطوات قابلة للتنفيذ وتخفف عن الأطفال عبء الضياع التعليمي.

أزمة تعليم اللاجئين في لبنان ليست مجرد مسألة إدارية أو ورقية، بل قضية تحدد مستقبل أجيال وتشكل اختبارًا لالتزامات الدولة تجاه حقوق الطفل، وفيما تعلن القيادات أن كل طفل له حق التعلم، فإن الواجب الآن هو ترجمة الكلمات إلى إجراءات فورية ومرنة تفتح باب المدرسة لكل طفل، سواء كان لبنانيًا أم لا، لأن ثمن تأجيل الحلول يدفعه أطفال اليوم طوال حياتهم. 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية