بأدوات للقمع.. كيف عززت شركات أمريكية انتهاكات حقوق الإنسان في الصين؟
بأدوات للقمع.. كيف عززت شركات أمريكية انتهاكات حقوق الإنسان في الصين؟
أظهرت تحقيقات لجنة خاصة في مجلس النواب الأمريكي أن خمس شركات رائدة في صناعة معدات تصنيع أشباه الموصلات من الولايات المتحدة واليابان وهولندا باعت بكثافة معدات وتقنيات إلى شركات صينية، ومنها مؤسسات مملوكة للدولة وكيانات وصفتها الولايات المتحدة بأنها ذات صلات بالجهاز العسكري والاستخباراتي.
وكشف التحقيق أن مشتريات الصين من هذه الشركات بلغت نحو 38 مليار دولار في 2024، وأن حصة السوق الصينية من إيرادات مصنعي هذه الأدوات قفزت بسرعة في السنوات الأخيرة، وهذه النتائج دفعت أعضاء لجنة التحقيق إلى القول إن فجوات في ضوابط التصدير وتباينات بين سياسات الحلفاء سمحت بتغذية قدرة الصين على تصنيع رقائق متقدمة، مع انعكاسات مباشرة على الأمن القومي وحقوق الإنسان وفق "selectcommitteeontheccp.house.gov".
وأظهر التقرير بيانات مالية موثقة تفيد بأنّ شركات كبرى سجلت نسباً كبيرة من إيراداتها من السوق الصينية: شركة طوكيو إلكترون سجلت نحو 44 في المئة من إيراداتها في 2024، وشركات أمريكية وأوروبية أخرى سجلت نسباً تتراوح بين 36 و42 في المئة، كما سجّل التقرير أن 69 في المئة من إيرادات مصنعي الأدوات من الصين في 2024 أتت من مؤسسات مملوكة للدولة، تراكم هذه المبيعات ليس مجرد مسألة تجارية؛ إنه يضع موارد حيوية في متناول منظومةٍ تخضع لقيادة الدولة الصينية، ويعزّز قدرة بكين على بناء سلسلة إنتاج محلية متكاملة تقلّص تأثير قيود التصدير مستقبلاً.
أسباب رئيسية
يمكن اختزال أسباب هذا المسار إلى ثلاثة عناصر مترابطة تتمثل في: أولاً، الحافز الربحي المباشر لدى الشركات التي وجدت في السوق الصينية طلباً ضخماً عزّز نموّها، ثانياً، تطبيق غير موحّد لضوابط التصدير بين الولايات المتحدة وحلفائها أدى إلى ثغرات يمكن للكيانات الصينية استثمارها، سواء عبر شراء أدوات مسموح بها من دول أخرى أو عبر التراخيص المشروطة، ثالثاً، سياسات الترخيص التفصيلية التي اعتمدتها بعض الجهات الإدارية أحياناً سمحت بآليات استثنائية أو مرنة سمحت بتصدير أنواع من المعدات إلى كيانات كان يُراد تقييدها. هذه المركبة من الحوافز والفراغات التنظيمية سمحت للصين بتسريع تراكم القدرات الصناعية.
تتجاوز المخاوف الاقتصادية حدّ السوق؛ إذ تؤكّد لجنة التحقيق أن قدرات تصنيع الرقائق الإلكترونية ضرورية لأنظمة عسكرية حديثة تعتمد على الحوسبة عالية الأداء والذكاء الاصطناعي، وفي المقابل تبرز تقارير تحقيقية واستقصائية أن التكنولوجيا، الأمريكية وغيرها، أسهمت سابقاً في بناء منصات رقابية واسعة النطاق داخل الصين، مستخدمة في حملات قمع واعتقالات واسعة بحق أقلية الإيغور وغيرهم، وفي مراقبة واسعة للمجتمع المدني، لفتت اللجنة أن الجمع بين قدرات تصنيع رقائق أقوى ومنصات تحليلية متقدمة يغيّر موازين القوة ويزيد إمكانيات الدولة في تطبيق تقنيات الاستبداد الرقمي.
ردود فعل حقوقية وأممية
أثارت النتائج دعوات من منظمات حقوقية للتشديد على مسؤولية الشركات عن الامتثال لمعايير العناية الواجبة في سلسلة التوريد، وفق مبادئ الأمم المتحدة والتوجّه الدولي بشأن الأعمال وحقوق الإنسان وبإرشادات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بشأن العناية الواجبة.
كما تشدد مبادرات تشريعية مثل قانون منع العمل بالإكراه المرتبط بمنطقة شينجيانغ في الولايات المتحدة على منع استفادة سلاسل التوريد من أعمال قسرية أو من تكنولوجيا تُستخدم في انتهاكات.
دعت التوصيات البرلمانية إلى مواءمة ضوابط التصدير بين الولايات المتحدة وحلفائها، وتوسيع نطاق القوائم المحظورة، وتشديد آليات منع تحويل السلع، وكذلك إنشاء برنامج بلاغات للمبلغين عن مخالفات التصدير، وزيادة موارد جهاز تطبيق الضوابط.
ردود وانعكاسات
أثّرت التوصيات والأخبار سلبًا في أسواق بعض الشركات المعنية، في حين حذرت شركات أخرى من تأثيرات كبيرة في الإيرادات إذا طُبقت قيود أوسع، فتباطؤ المبيعات إلى الصين قد يكبّد مصنّعين خسائر كبيرة على مدى فترات معيّنة، لكنه يؤسس أيضًا لحوار جديد حول التوازن بين الربح والالتزام الأمني والحقوقي.
التحقيق البرلماني يضع أمام القادة والهيئات الرقابية خيارين متلازمين: إمّا الاستمرار في منطق السوق المفتوح الذي قد يسرّع تحوّل قدرة نظام قمعي ويعرّض حقوق الناس للخطر، أو العمل على مواءمة سياسات تصدير وتجريم تحويلات تقنية ومساءلة شركات لم تتّبع معايير العناية الواجبة.
الإطار القانوني الدولي القائم على مبادئ حماية حقوق الإنسان وإرشادات العناية الواجبة يوفر خارطة عمل قابلة للتطبيق تتمثل في مراجعة سياسات التصدير، وإلزامية التقييم الإنساني للتأثير قبل صفقات حسّاسة، وتبني آليات رقابية وشفافية تمكّن المجتمعات المتضررة من المطالبة بالمساءلة.