أحداث السيدة زينب من الاحتجاج إلى التحريض.. لماذا تتصاعد نبرة الطائفية في سوريا؟

أحداث السيدة زينب من الاحتجاج إلى التحريض.. لماذا تتصاعد نبرة الطائفية في سوريا؟
قوات أمنية في منطقة السيدة زينب السورية

اندلع توتر أمني وطائفي جديد في محيط منطقة السيدة زينب بريف دمشق في سوريا بعد منتصف ليلة أمس الجمعة، بعد خروج تجمع من شبان من منطقتي البحدلية والذينابية نحو شارع الفاطمية، أقدمت خلاله مجموعات على خلع ملابسها العليا وإطلاق هتافات طائفية مسيئة وتوجيه شتائم إلى شخصيات دينية شيعية ودعوات طرد أبناء الطائفة من المنطقة، تخلّلها إطلاق نار في الهواء وتخريب محال تجارية، قبل أن تتدخل قوات الأمن لتفريق التجمع واحتواء الوضع وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان.

وتحتوي هذه الاحتكاكات وفق المرصد على عدد من الأسباب المباشرة والهيكلية، من جهة تعد البحدلية وغيرها من التجمعات السكنية محطات تماس ديموغرافي واجتماعي تتمثل في أحياء مختلطة تقطنها عشائر بدوية إلى جانب مجتمعات من بصرى الشام والغالبية الشيعية، إضافة إلى وافدين من مناطق أخرى مثل السويداء، ومثل هذا المزج السكاني يزيد من حساسية التوازن الاجتماعي في فترات الأزمات، ويجعل الأحياء معرضة لصراعات على الهوية والموارد المحلية، وقد كان تجمع الشباب وهتافاته الشرارة الآنية، لكن الخلفية أوسع وتشمل شعورًا متزايدًا بعدم الأمان الاقتصادي والاجتماعي، وتراجع الثقة في آليات العدالة المحلية وقدرة الأجهزة على منع الاحتكاكات قبل انفجارها.

ليس موقع السيدة زينب عشوائياً في هذا السياق؛ فالحرم الذي يحمل رمزية دينية لشيعة سوريا جعل المنطقة عرضة لهجمات مسلحة في مراحل سابقة من النزاع السوري، ومنها اعتداءات انتحارية وتفجيرات راح ضحيتها مدنيون وحجاج في عقد 2010 و2016، وهو ما ترك ذاكرة جماعية من الجروح والحذر لدى السكان والمجموعات المسلحة المحلية، ومثل هذه الذاكرة التاريخية تزيد سرعة تفاقم النزاعات الطائفية وتحوّل كل استفزاز إلى خطر أمني أكبر وفق صحيفة الغارديان البريطانية.

تداعيات إنسانية مباشرة

حتى الآن لم يُبلَّغ عن خسائر بشرية واسعة في الحادث الأخير، لكن تداعيات مثل هذا الحشد والتحريض تعيد إنتاج حالة الخوف والتهجير الداخلي الطوعي للمدنيين الأقرب إلى مسارات الصدام، وبات الجنوب والريف الجنوبي لدمشق شهيدان على موجات نزوح داخلية متكررة في الأشهر الأخيرة، مع تسجيل مئات الآلاف من النازحين في مناطق جنوبية مثل السويداء ودرعا وريف دمشق، ما يعكس مستوى هشاشة الحماية المدنية وقدرة السلطات الجديدة في سوريا على منع تفجّر النزاعات المحلية إلى نزوح أوسع، وتحذر المنظمات الإنسانية من أن استمرار هذه الحوادث سيزيد أعداد النازحين ويعمّق حاجة الأسر لمساعدات عاجلة في الغذاء والمأوى والصحة النفسية وفق "ريليف ويب". 

وأعربت منظمات حقوقية دولية عن قلقها المتكرر من تصاعد أعمال العنف الانتقامية والطائفية في مناطق سورية متعددة، داعية السلطات المحلية إلى اتخاذ إجراءات فورية للتحقيق ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات وحماية المدنيين بغض النظر عن انتمائهم.

وقد وثّقت تقارير منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش سلسلة اعتداءات وممارسات انتقامية ضد أقليات في جنوب البلاد، ودعت الأمم المتحدة ومكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان إلى الضغط لصون الحماية القانونية ومنع استغلال الانفلات الأمني للتحريض الطائفي أو الاغتيالات والاعتقالات التعسفية.

على المستوى القانوني الدولي، تشترط المعايير الدولية منع التحريض على التمييز والعداء والعنف؛ إذ يلزم العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الدول بحظر أي دعوة إلى الكراهية أو العنف الديني الذي يصل حد التحريض، كما تقدم وثائق الأمم المتحدة، ولا سيما خطة عمل الرباط، إطاراً تطبيقياً لكيفية تمييز حرية التعبير المحمية عن خطاب التحريض غير المشروع، وتتزايد الدعوات الحقوقية إلى تطبيق هذه المعايير في سوريا في ظل مخاطر إفلات مرتكبي العنف من المساءلة. وفق المفوضية السامية لحقوق الإنسان

آثار في المجتمع والتعايش

حوادث من هذا النوع تزيد من الاستقطاب بين المجتمعات المحلية، وتضعف شبكات التعايش التي تشكّلت في ظروف النزاع واللجوء والعودة فالتجار وأصحاب المحال الصغيرة هم أول الخاسرين من تفكك الأمان المحلي، والمدارس ومؤسسات المجتمع المدني تجدً صعوبة متزايدة في استئناف أنشطتها التوعوية، كما أنّ المساحات الدينية، من مساجد ومرقد السيدة زينب، تصبح رموزًا سياسية تستغلها أطراف مختلفة، ما يضاعف تهديدات الاستهداف الطائفي ويحد من عودة السياحة الدينية التي كانت مصدر رزق للمنطقة قبل تفجّر النزاع. 

تدعو المنظمات الحقوقية والأمم المتحدة السلطات الجديدة في سوريا إلى إجراءات ملموسة، منها فتح تحقيقات مستقلة وشفافة في أعمال التحريض والاعتداء، حماية المدنيين على أساس عدم التمييز، وتعزيز حضور قوات أمن مدنية مهنية قادرة على ضبط السلاح الفردي ومنع التجمعات المسلحة، بالإضافة إلى إطلاق مبادرات للحوار المجتمعي وبرامج مصغّرة لبناء الثقة بين الفئات المختلفة في الأحياء المختلطة، وتشدّد التوصيات على أهمية ربط الاستجابة الأمنية بخطوات اجتماعية واقتصادية تقلص أسباب الاحتقان، مثل تحسين الوصول إلى الخدمات العامة وفرص العمل والعدالة المحلية. 

أحداث محيط السيدة زينب ليست مجرد اقتحام شارع أو مشادة ليلية؛ إنها مؤشر على هشاشة سلم مجتمعي قابل للاحتراق إذا لم تتضافر استجابة أمنية عادلة مع برامج تعزز التماسك الاجتماعي وتكافح خطاب الكراهية، حماية المدنيين والمجتمعات المختلطة تتطلب التزامًا قانونيًا وأمنيًا وإنسانيًا واضحًا من جميع الفاعلين المحليين والدوليين، لأن التكلفة إنسانياً ستكون باهظة إذا ما تحولت الهتافات إلى موجة تهجير جديدة أو إلى عنف مسلح أوسع نطاقًا. 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية