الآلاف يعملون بلا أجر.. الموظفون الأمريكيون يدفعون ثمن الجمود السياسي
الآلاف يعملون بلا أجر.. الموظفون الأمريكيون يدفعون ثمن الجمود السياسي
دفع آلاف الموظفين الفدراليين الأمريكيين، اليوم الأحد، ثمن الإغلاق الحكومي الذي بدأ مطلع الشهر الحالي، بعدما عجز الكونغرس مجددًا عن التوصل إلى اتفاق بشأن خطة الإنفاق المؤقتة، ما أدى إلى شلّ قطاعات حكومية واسعة وإجبار مئات الآلاف من الموظفين على إجازات قسرية غير مدفوعة الأجر.
ذكرت وكالة الأنباء الفرنسية (فرانس برس)، أن الأزمة الحالية تعدّ من أكثر عمليات الإغلاق قسوة في تاريخ الولايات المتحدة، ليس فقط بسبب الخلافات السياسية الحادة بين الجمهوريين والديمقراطيين، بل أيضًا بسبب التوجه الإداري للرئيس دونالد ترامب، الذي أعاد منذ عودته إلى البيت الأبيض سياسة "خفض القوة العاملة الفدرالية" وتضييق النفقات الحكومية.
ويأتي هذا الإغلاق في وقت تتصاعد فيه الانتقادات الموجّهة لإدارة ترامب بسبب استهانتها بالموظفين الفدراليين. فقد وصف الرئيس مرارًا البيروقراطية الحكومية بأنها "متضخمة وغير فعالة"، بينما شرع الملياردير إيلون ماسك، الحليف السابق لترامب، في تنفيذ خطة لإقالة آلاف الموظفين بتفويض مباشر من البيت الأبيض، ضمن ما سُمّي "إدارة الكفاءة الحكومية".
وجوه إنسانية خلف الإغلاق
روى مارك، الموظف الفدرالي منذ أكثر من عشرين عامًا، معاناته قائلاً إنه شهد العديد من الإغلاقات السابقة، لكنه يعتبر الإغلاق الحالي الأسوأ والأكثر إذلالًا في مسيرته. وأوضح أنه قرر الاستقالة بعد أن شعر بأن الحكومة "تحقّر من قيمة موظفيها وتتعامل معهم كعبء يجب التخلص منه".
ويقول مارك، الذي كان مسؤولًا عن تمويل المتاحف الوطنية، إنه بدأ يبحث عن عمل جديد خارج الجهاز الفدرالي، مؤكدًا: "ربما أستطيع خدمة بلادي أفضل من خارج الحكومة".
أما الموظف يوهان هرنانديز من مكتب الإحصاء الفدرالي، فيصف أيامه بأنها "اختبار يومي للبقاء"، بعد أن وُضع في إجازة غير مدفوعة، مضيفًا: "كل يوم نعيشه وكأنه خطوة جديدة نحو المجهول".
موظفون بلا أجر
أجبر الإغلاق الحالي مئات الآلاف من الموظفين الأمريكيين على التوقف القسري عن العمل دون أجر، فيما يُطلب من الموظفين الأساسيين، مثل مراقبي الطيران، مواصلة العمل دون تلقي رواتبهم إلى حين انتهاء الأزمة.
ويقول كثيرون إن هذا الوضع يولّد حالة من الإحباط والغضب داخل المجتمع الوظيفي الأمريكي، الذي كان يُعدّ أحد أكثر القطاعات استقرارًا في البلاد.
وقالت نيكول غارسيا، الموظفة في وزارة الخارجية، إنها تشعر بـ"الذلّ والإرهاق"، مضيفة أنها تستغل وقتها حاليًا للاعتناء بابنها الصغير، لكنها "تخشى المستقبل المجهول إذا طال الإغلاق".
تسريحات وجمود اقتصادي
واجهت الدبلوماسية السابقة إميلي أبراهام مصيرًا أكثر قسوة، بعدما سُرحت من عملها في الصيف، لكنها كانت تتقاضى راتبها حتى نوفمبر المقبل، غير أن الإغلاق أوقف رواتبها تمامًا.
وقالت بأسى: "أنا في إجازة مزدوجة: لا أعمل ولا أتلقى أجري".
وأضافت: "لدي ثلاث بنات وقرض كبير وسيارة، وكل ذلك عليّ تدبيره بلا دخل. أصبحت مستعدة للقيام بأي عمل".
وأوضحت أن سوق التوظيف في واشنطن تعاني ازدحامًا حادًا بعد تسريح أعداد ضخمة من العاملين الحكوميين، مشيرة إلى أن "كثيرًا من كبار الدبلوماسيين باتوا يقودون سيارات (أوبر) أو (ليفت) بحثًا عن لقمة العيش".
أزمة بين الحكومة وموظفيها
أقرّ مدير مكتب الإدارة والميزانية في البيت الأبيض، راسل فوت، بأنه يقف وراء خطة خفض عدد الموظفين، متباهيًا بأنه تسبب "بصدمات نفسية في أوساط العاملين الحكوميين"، في تصريح أثار سخطًا واسعًا في الأوساط النقابية.
ويرى خبراء أن هذه السياسة تمثّل تحولًا جذريًا في فلسفة الإدارة الأمريكية، إذ لم يعد يُنظر إلى الخدمة العامة كدعامة للدولة، بل كعبء يجب تقليصه.
وأجمع الموظفون الذين تحدّثت إليهم "فرانس برس" على أن الإغلاق هذه المرة تجاوز كونه أزمة مالية إلى كونه أزمة كرامة، إذ شعروا بأنهم مستهدفون من أعلى هرم السلطة.
ويرى محللون أن استمرار الإغلاق يهدد بإضعاف الثقة في المؤسسات، ويقوّض قدرة الحكومة على جذب الكفاءات، ويزيد من الهوة بين الإدارة والشعب الأمريكي، في وقت تتصاعد فيه الأزمات الاقتصادية والسياسية التي تهزّ البلاد منذ بداية ولاية ترامب الثانية.










