وسط قلق شعبي.. رئيس بوليفيا الجديد يواجه أسوأ أزمة اقتصادية منذ عقود

وسط قلق شعبي.. رئيس بوليفيا الجديد يواجه أسوأ أزمة اقتصادية منذ عقود
الرئيس البوليفي المنتخب رودريغو باز

تسلّم الرئيس البوليفي المنتخب رودريغو باز، المنتمي إلى التيار اليميني الوسطي، مقاليد الحكم وسط أجواء من القلق الشعبي العميق جراء ما توصف بأنها أسوأ أزمة اقتصادية تضرب البلاد منذ أربعة عقود. 

ويُتوقّع أن يباشر مهامه رسمياً في الثامن من نوفمبر المقبل خلفاً للرئيس المنتهية ولايته لويس آرسي، الذي قرّر عدم الترشح بعد خمس سنوات اتسمت بالاضطرابات والضغوط الاقتصادية المتزايدة، بحسب ما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية (فرانس برس).

وتواجه بوليفيا اليوم تضخماً سنوياً بلغ 23%، إلى جانب نقصٍ مزمن في الوقود والدولار الأميركي، مما عمّق من معاناة المواطنين ورفع تكاليف المعيشة بصورة غير مسبوقة. 

وتعهد باز، خلال حملته الانتخابية، بخفض الإنفاق الحكومي وتقليص الدعم الموجه للمحروقات، معتبراً أن السياسات الاشتراكية السابقة "أرهقت الاقتصاد الوطني".

ورأى أستاذ الاقتصاد في جامعة سان أندريس في لاباز نابوليون باتشيكو أن استقرار الوضع الاقتصادي "سيتطلب إجراءات صارمة للغاية"، محذراً في الوقت نفسه من أن أي تقشف مفرط قد يثير غضب الشارع، بينما حذّرت المحللة في المعهد الألماني للدراسات العالمية والإقليمية دانييلا أوسوريو من أن "إصلاحات قاسية في اقتصاد هش قد تشعل انتفاضة اجتماعية واسعة".

غياب الثقة والانقسام الشعبي

عبّرت عالمة الاجتماع في جامعة سان سيمون ماريا تيريزا سيغادا عن خشيتها من "تصاعد الاستياء الشعبي تجاه الطبقة السياسية بأكملها"، مشيرة إلى أن نتائج الجولة الثانية من الانتخابات أظهرت انقسامات حادة بين مناطق الشرق الغنية ذات الميول المحافظة التي دعمت المرشح اليميني خورخي كيروغا، ومناطق الغرب الفقيرة التي صوّتت بكثافة لصالح باز.

ورأت أوسوريو أن هذه الانقسامات "تعيد إنتاج التناقضات التاريخية بين الشرق الصناعي والغرب الريفي، وبين النخب الاقتصادية والسكان الأصليين"، في بلدٍ لطالما شهد توترات اجتماعية على خلفية التفاوت الطبقي والإثني.

ويواجه باز تحدياً آخر يتمثل في العمل مع برلمان منقسم؛ إذ يمتلك حزبه أكبر عدد من المقاعد دون أن يحقق أغلبية مطلقة، مما يجبره على الدخول في تحالفات مع خصومه السياسيين لتأمين تمرير القرارات والإصلاحات. 

وتشير التقديرات إلى أن الأحزاب اليمينية الأربعة تسيطر على 119 من أصل 130 مقعداً في مجلس النواب، وجميع مقاعد مجلس الشيوخ الـ36، وهو ما يعقّد مهمة الرئيس الجديد في تنفيذ برنامجه الاقتصادي.

ورأت سيغادا أن "الانقسامات العميقة التي خلّفتها الحملة الانتخابية قد تجعل من عملية التفاهم السياسي مهمة شاقة"، لكنها شددت في المقابل على أن "التوافق هو الخيار الوحيد لتجنّب الشلل الحكومي".

عودة ظلال موراليس

ما زال الرئيس الأسبق إيفو موراليس، الذي حكم بوليفيا بين عامي 2006 و2019، يلقي بظلاله الثقيلة على المشهد السياسي رغم منعه من الترشح في هذه الانتخابات. 

وتمتّع موراليس، وهو أول رئيس من السكان الأصليين في تاريخ البلاد، بشعبية كبيرة بين الفقراء والمناطق الريفية، لكن استبعاده من السباق الرئاسي دفع نحو 20% من الناخبين إلى إبطال أصواتهم في الجولة الأولى احتجاجاً.

وتشير أوسوريو إلى أن موراليس "لا يزال عاملاً مزعزعاً للاستقرار السياسي"، بينما تعتبر سيغادا أن "أنصاره وجّهوا رسالة تحذير بأنهم قد يتحركون لإسقاط الحكومة إذا لم تلبِ وعودها الاجتماعية".

خلفية الأزمة الاقتصادية

تُعد بوليفيا من أفقر دول أميركا اللاتينية، ويعتمد اقتصادها بدرجة كبيرة على صادرات الغاز الطبيعي والمعادن، خصوصاً الليثيوم الذي يُفترض أن يكون "ذهب المستقبل" للبلاد. 

غير أن تراجع الطلب العالمي، وفساد إدارة العائدات، وتنامي الدعم الحكومي للوقود، تسببت جميعها في إنهاك الخزانة العامة واستنزاف احتياطيات النقد الأجنبي.

كما أدت سياسات الدعم السابقة إلى تراجع الإنتاج المحلي وزيادة الاعتماد على الاستيراد، ما جعل الاقتصاد هشاً أمام تقلبات الأسواق العالمية. 

وتسببت هذه الأوضاع في نقص الوقود والسلع الأساسية، ودفع آلاف المواطنين إلى النزول إلى الشوارع في مظاهرات احتجاجية خلال السنوات الأخيرة، مطالبين بإصلاحات عاجلة وإدارة أكثر شفافية.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية