نصف مليون قطعة سلاح غير قانونية في هايتي.. شبكات التهريب تفاقم الأزمة الأمنية
نصف مليون قطعة سلاح غير قانونية في هايتي.. شبكات التهريب تفاقم الأزمة الأمنية
هايتي تواجه اليوم واقعًا أمنيًا كارثيًا تغذيه شبكة معقدة من الأسلحة غير المشروعة، ويُقدَّر عدد القطع المتداولة بين 270 ألفاً ونحو 500 ألف سلاح، من مسدسات إلى بنادق نصف آلية تُستخدم في المعارك الحضرية، هذا الانتشار يأتي رغم أن مجلس الأمن فرض، منذ عام 2022، حظرًا يستهدف توريد الأسلحة إلى الأفراد والجهات التي تهدد السلم والأمن في البلاد، وفق المفوضية السامية لحقوق الإنسان.
وترتبط أسباب وفرة السلاح في هايتي بعوامل داخلية وخارجية متداخلة، داخليًا، أدى انهيار مؤسسات الأمن والعدالة بعد اغتيال الرئيس عام 2021 إلى فراغ سلطوي سمح للعصابات بالتحول إلى فواعل مسلحة مهيمنة في العاصمة ومحيطها، في حين تنشط مجموعات "العدالة" المحلية المسلَّحة التي تدّعي حماية الأحياء، فترتفع معدلات التسليح وانتشار القتال، وخارجيًا، تُستخدم طرق تهريب طويلة ومعروفة تنطلق من عدد من الموانئ الأمريكية وطرق عبر الدول المجاورة، خاصة عبر جمهورية الدومينيكان، حيث تُخفي شحنات أسلحة وذخائر ضمن حاويات تجارية أو تُعيد توجيهها عبر حدود برية هشة تعاني ضعف إنفاذ الجمارك والفساد.
التهرب من الحظر
حظر الأمم المتحدة يتطلّب آليات إنفاذ فعّالة تشمل تفتيش موانئ، تعاوناً استخباراتياً، وضوابط على شبكات النقل المالي، وتظهر الوقائع العملية نقاط ضعف واضحة تتمثل في ضبطيات متفرقة لشحنات مشتبه بها، مثل اعتراض شحنة من ميامي في جمهورية الدومينيكان احتوت على بندقية ثقيلة من طراز بارِت وبنادق قنص وأكثر من 36 ألف طلقة ذخيرة، لكن مثل هذه الضبطيات لا تبدو كافية لوقف التيار الواسع للأسلحة، كما سجّلت ملاحقات قضائية في الولايات المتحدة ضد مهربين ووسطاء مرتبطين بعمليات تصدير غير مرخّصة، ما يدلّ على أن جزءًا من السلاح يمر عبر شبكات متشابكة بين أمريكا والدومينيكان وبلدان أخرى في أمريكا الجنوبية.
في الآونة الأخيرة ظُهرت تحرّكات قضائية وتجريمات عابرة للحدود، حيث أصدرت محاكم أمريكية أحكامًا ضد متورطين في شبكات تهريب أسلحة إلى منطقة البحر الكاريبي، وصدر حكم بالسجن والغرامات عن أشخاص أدينوا بتسهيل شحنات دون ترخيص، وهذه الإجراءات تعكس رغبة واضحة لدى بعض دول المنشأ في محاسبة مهربي السلاح، لكنها تظل متقطعة ولا تُعالج السبب الجذري: شبكات إجرامية إقليمية، تهاون في تطبيق القانون لدى دول العبور، وفساد محلي يسمح بتسريب السلاح إلى السوق السوداء.
تداعيات إنسانية وأمنية
تأثير وجود هذا الكم الهائل من السلاح في مجتمع حضري يبلغ سكانه نحو مليوني نسمة مدمّر: في 2024 قُتل أكثر من 5600 شخص بسبب أنشطة العصابات، وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى موجات اختطاف واغتصاب واستهداف للمدنيين وعمليات قتل جماعي، إضافة إلى نزوح داخلي واسع، المدن تتحول إلى ساحات معارك، والخدمات العامة تنهار، والاقتصاد يتعرض لتجميد شبه كامل في بعض الأحياء، هذا المناخ من العنف يفاقم حالة الهشاشة الحقوقية ويُعرّض المدنيين لانتهاكات خطرة دون محاسبة فعالة.
المنظمات الحقوقية الدولية والمحلية حذّرت مرارًا من خطورة انتشار السلاح ودعت إلى تشديد مراقبة الصادرات ومنع تسرب الأسلحة المسجّلة لدى شركات الأمن الخاصة إلى السوق السوداء، وركز مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة على أهمية نهج إقليمي منسق لمراقبة الموانئ والجمارك، وتعزيز قدرات أجهزة التفتيش، وتتبع المسارات المالية التي تموّل عمليات التهريب. كما دعت منظمات حقوقية محلية إلى محاسبة الفاعلين السياسيين والموظفين الحكوميين المتورطين في تسهيل مرور الأسلحة، والتأكد من أن أجسام إنفاذ القانون الوطنية لا تكون جزءًا من المشكلة.
أين فشلت الدول والآليات الدولية؟
تسلّط تقارير الأمم المتحدة الضوء على قصور في تنفيذ الحظر يتمثل في غياب موارد كافية في حدود هايتي والجارة الدومينيكان، وعدم كفاية الآليات التقنية لفحص الحاويات، ونقص التعاون المعلوماتي بين وحدات إنفاذ القانون في دول المنشأ ودول العبور، كما أن تجفيف مصادر التمويل للعصابات لا يزال تحديًا، لأن بعض الشبكات تعتمد على أنشطة جنائية معقّدة وتمويل عبر تحويلات مالية دولية تلتف حول الرقابة. تقرير أممي أشارت الوثائق الرسمية فيه إلى أن تنفيذ الحظر ظل محدودًا رغم وجود قرار أممي واضح وأن الحل يتطلب تصعيدًا عمليًا في التعاون الإقليمي والدولي.
المطلوب نهج متعدد الطبقات يشمل أولًا، ملاحقات قضائية منسقة في دول المنشأ والممرّات لتعطيل شبكات التهريب، وثانيًا، تقوية قدرات الجمارك والموانئ في هايتي والدول المجاورة بتقنيات فحص الحاويات وتدريب مفتشي الشحن، وثالثًا، مكافحة الفساد وتأمين معابر الحدود غير الرسمية عبر دعم مجتمعات محلية، على المستوى الدولي، تدعو الأمم المتحدة إلى مزيد من الموارد لعمليات التفتيش وتوفير أنظمة تتبُّع للأسلحة، وإجراءات مالية لقطع إيرادات العصابات.
قضية وجود ما يصل إلى نصف مليون قطعة سلاح غير قانونية في هايتي ليست مجرد إخفاق في تنفيذ قرار أممي؛ إنها انعكاس لفشل شامل في شبكة إنفاذ دولية وإقليمية، ممزوجًا بضعف إداري وفساد محلي وتكتيكات تهريب معقدة، ومعالجة الأزمة تتطلب أكثر من حظر شكلي؛ تحتاج إلى تطبيق قانوني صارم عبر الحدود، ولتعبئة موارد تقنية وبشرية لإغلاق منافذ التهريب، ولإجراءات إنسانية تقي المدنيين وتمدّ السلطات الشرعية بما يكفي لاستعادة الأمن، وإلى أن تتبلور هذه الجهود، سيظل السلاح يغذي دوامة العنف التي تنهش في نسيج المجتمع الهايتي. بحسب المفوضية السامية لحقوق الإنسان.










