القوة المفرطة في إلينوي.. "هيومن رايتس ووتش" تكشف عن حملة عنف في وضح النهار
القوة المفرطة في إلينوي.. "هيومن رايتس ووتش" تكشف عن حملة عنف في وضح النهار
في تقرير صدر حديثًا، وثّقت منظمة هيومن رايتس ووتش استخدام عملاء إنفاذ القانون الفيدراليين في ولاية إلينوي للقوة المفرطة ضد متظاهرين سلميين وصحفيين ومسعفين خلال احتجاجات قرب مركز احتجاز تابع لإدارة الهجرة والجمارك الأمريكية (ICE).
التقرير يصف ما جرى بأنه ليس مجرد تنازع على الشارع بل رسالة ترهيب واضحة بأن المعارضة ستُعاقب، ويأتي هذا التصعيد في سياق عملية "ميدواي بليتز" التي أطلقتها السلطات الفيدرالية في أوائل سبتمبر الماضي بمنطقة شيكاغو.
تصعيد العدوان في برودفيو
منذ منتصف سبتمبر، تفاقمت الاحتجاجات أمام مركز احتجاز برودفيو في ضاحية شيكاغو، حيث خرج متظاهرون للمطالبة بوقف المداهمات والهجرة القسرية، واستنادًا إلى شهادات عشرات شهود العيان وتحليل مقاطع الفيديو، رصدت هيومن رايتس ووتش أن عملاء وزارة الأمن الداخلي، أحيانًا برفقة شرطة الولاية والمحلية، استخدموا الغاز المسيل للدموع وكرات الفلفل وقذائف حركية مهيئة ضد مجموعات صغيرة لا يتجاوز عددها العشرات، بعضها كان يضم مراقبين قانونيين أو مسعِفين متطوعين أو صحفيين، وقد أدى هذا الاستخدام إلى احتجاز العشرات، بينهم صحفي واحد ومسعف متطوع، على الرغم من أن بعض المتظاهرين لم يشكلوا تهديدًا واضحًا، بحسب التقرير.
في إحدى الحوادث البارزة، أُصيب القس ديفيد بلاك بكرات فلفل في حين كان يصلي في مكان الاحتجاج، ووجهت إليه نيران من سطح مركز الاحتجاز، رغم أنه كان معزولًا عن حشد أو مواجهات، وأوضحت الصحفية رافين جيري أنها تعرضت للرذاذ الكيميائي أثناء تغطية الاحتجاجات، رغم ارتدائها شارات الصحافة ووجودها بشكل واضح بوصفها جزءاً من العمل الصحفي.
كما وثّق التقرير أن بعض الاعتقالات استمرت لساعات دون السماح للمحتجزين بالاتصال بمحاميهم، وأن بعض عناصر التحرّيات على الممتلكات دخلت منازل المتظاهرين وصادرت الهواتف وأجهزة الحواسيب بناءً على تهم مثل التعاون مع الإعلام في المنفى أو التغطية الإعلامية لمنظمات معارضة.
أبعاد حقوقية ودستورية
ما جرى في إلينوي لا يندرج ضمن مفاهيم ضبط التجمعات فحسب، بل يتصل بحقوق دستورية وحقوق إنسان أساسية، فالتعديل الأول في الدستور الأمريكي يكفل حق التجمع السلمي وحرية التعبير، في حين تحفّز المعايير الدولية الملزمة، مثل العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، على استخدام القوة فقط عندما تكون ضرورية ومتوازنة ومع إشعارات واضحة، وفي حالات استعمال القوة يتعين على الجهات المنفذة أن تراعي التناسب وضبط النفس وأن تتوقف عن استخدامها عندما يزول الخطر.
كما أن العديد من الممارسات التي وثّقتها هيومن رايتس ووتش تبدو مخالفة مبادئ القوة الأقل فتكًا المعمول بها في سياسات إنفاذ القانون التي تشير إلى أن استخدام الأسلحة غير الفتاكة مثل الغاز أو الرذاذ يجب أن يكون فقط بعد استنفاد البدائل، مع تحذير مسبق إن أمكن.
القانون الفيدرالي الأمريكي أيضًا يضع حدودًا على استخدام القوة أثناء الاعتقال أو تفريق التجمعات، ويمنع استخدام القوة عقاباً أو بطريقة تعسفية، كما أن سياسات وزارة الأمن الداخلي والوكالات التابعة لها تنص على ضرورة الالتزام بمنهجية تصعيد القوة فقط عند الحاجة وعدم تجاوزها، إلا أن التقرير يشير إلى أن هذه السياسات لم تُطبّق في العديد من الوقائع التي راجعتها المنظمة.
ردود المنظمات والدعاوى القانونية
ردّت منظمات الحقوق المحلية والدولية بسرعة على التقرير، مطالبة بتحقيق مستقل ومحاكمة المسؤولين ومراجعة سياسات إنفاذ القانون. دعاوي قضائية جماعية رفعها صحفيون ومتظاهرون في المنطقة الشمالية من إلينوي استهدفت الرئيس والجهات الفيدرالية والولائية، مبرزين أن استخدام القوة كان ممنهجًا لتكميم المعارضة، وليس مقتصرًا على حالات فردية، وقد أصدرت محكمة مقاطعة مؤخرًا أمرًا تقييديًا مؤقتًا يقضي بفرض ضوابط على طريقة استخدام القوة في الاحتجاجات الفيدرالية في شمال إلينوي.
كما أصدرت قاضية في شيكاغو مؤخرًا أمرًا يقضي بضرورة ارتداء عملاء الهجرة الفيدرالية لكاميرات الجسد وإظهار هوية ظاهرة أثناء عمليات التطبيق، استجابة لتكرار تهديدات باستخدام الغاز دون تحذير وانتهاكات حقوق الصحفيين.
المجتمع المدني ومجموعات الدفاع عن الحقوق المدنية وصحفيون ناشطون أعلنوا عن مخاوف من أن هذه الحملة في إلينوي تشكل نموذجًا لما قد يحصل في ولايات أخرى، مؤكدين أن الرسالة التي تبعثها السلطات واضحة تتمثل في أن أي احتجاج أو توثيق مستقل قد يُوجّه إليه رد عنيف لترويض الأصوات المعارضة.
سياق تاريخي ومعايير دولية
ليست هذه المرة الأولى التي تجري فيها انتهاكات ضد التظاهر أو الإعلام في الولايات المتحدة، فكثير من التقارير الحقوقية بيّنت أن استخدام القوة من قِبل الشرطة غالبًا ما يكون متوقعًا ضد المجتمعات المهمشة، وأن السياسات المحلية غالبًا لا تلتزم بالمعايير الدولية، ووجدت دراسة لسياسات استخدام القوة في 20 من كبرى المدن الأمريكية أنها لا تستجيب لأسس الحقوق الدولية في ضبط استخدام القوة على نحو يتناسب مع التهديد.
إلى ذلك، قضية "Graham v. Connor" الصادرة عن المحكمة العليا الأمريكية تشكّل مرجعية أساسية لتقييم مدى معقولية استخدام القوة، حيث أكّدت أن الحكم على استخدام القوة يجب أن يُنظر إليه من منظور “معقولية موضوعية” في سياق الواقعة وليس بأثر رجعي فقط.
على الصعيد الدولي، المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة بشأن استخدام القوة والأسلحة النارية من قِبل جهات إنفاذ القانون تنص على أن استخدام القوة يجب أن يكون قانونيًا، ضروريًا، متناسبًا، وأن يكون الهدف منه تحقيق الأمن، وليس قمع المعارضة أو المساس بحقوق التعبير.
ما تسجّله هيومن رايتس ووتش ليس مجرد سلسلة تجاوزات تقنية، بل صورة لحالة من الخوف والصدمة تطول الأجساد والعقول، فالصحفيون الذين كانوا يسجلون الأحداث، أصبحوا أهدافًا، والمسعفون الذين يداوون الجرحى يواجهون القنابل، والمتظاهرون السلميون الذين خرجوا ليثيروا صوتًا يُسمع صاروا يشهدون على أن القمع ليس مجرد ردة فعل، بل أداة تطويع.











