بين القيود والدموع.. معاناة موجعة لحوامل محتجزات في مراكز احتجاز الهجرة الأمريكية
بين القيود والدموع.. معاناة موجعة لحوامل محتجزات في مراكز احتجاز الهجرة الأمريكية
في كشفٍ حقوقيٍّ مزلزل، وثّقت مجموعة من أبرز منظمات الحقوق المدنية في الولايات المتحدة حوادث عنيفة من الإهمال الطبي والانتهاكات داخل مراكز احتجاز الهجرة، استهدفت نساءً حوامل محتجزات، تشمل حالات إجهاض وإجراءات طبية بدون موافقة وتقييداً بالسلاسل، ما يُعدّ خرقاً صارخاً للقوانين والسياسات الأمريكية والدولية الموجّهة لحماية حقوق النساء المحتجزات.
نمط محتجز من الانتهاك
بحسب التقرير المشترك الذي أُعدّ على مدار مقابلات مع أكثر من اثنتي عشرة امرأة محتجزة وشهادات من منظمات مثل الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية (ACLU) ومؤسسة روبرت كينيدي لحقوق الإنسان وغيرها فإن محتجزات حوامل في مركزين بولايتَي لويزيانا (باسيل) وجورجيا (لومبكين) واجهن نمطاً تكرارياً من سوء المعاملة، وبين تلك النساء، تعرضت “أليسيا” -اسم مستعار- لفاصل قاسٍ من الجوع والتغذية الرديئة داخل الاحتجاز، ثم نزيفاً حاداً وتشنجات، إثر إهمال رعاية صحية كافية، فأُدخلت إلى مستشفى محلي حيث أُجريت لها فحوصات داخلية مؤلمة دون موافقتها، وتُركت في ظروف ما بعد الإجهاض، ثم أُعيدت للاحتجاز لشهرين آخرين قبل أن تُرحّل.
في حالة أخرى،"لوسيا" أُخبرت بعد أسابيع أنها حامل، وبعد نزيف غزير أُدخلت إلى مستشفى قُيدت فيه بالأغلال أثناء النقل، وأُبلغت بالإجهاض، وظلت مع نزيف مزمن بعد الإفراج عنها.
وفي حادثة ثالثة، "ماري" وُضعت في الحبس الانفرادي ثلاثة أيام بعد أن أخفقت السلطات في تصديق حملها، ورفضت طلبات الفيتامينات، وأُعطيت حقنة دون تفسير، وشهدت زميلتها تُجهض داخل حمام وحدة السكن المحتجز.
هذه الشهادات تكشف عن مجموعة منهجية من الانتهاكات داخل مراكز الاحتجاز التي تتضمن التقييد بالسلاسل أثناء النقل، والحبس الانفرادي، وتأخر أو رفض الرعاية الطبية الأساسية، ونقص التغذية، وغياب الترجمة والموافقة المستنيرة، وهي ممارسات تُعدّ مخالفة صريحة للمعايير الأمريكية والسياسات الداخلية لهيئة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك (ICE).
الأسباب الجذرية والعوامل الممهدة
ترجع هذه الانتهاكات إلى عدة عوامل مترابطة منها: أولاً، تُشير منظمات الحقوق إلى أن وكالة ICE تواصل احتجاز نساء حاملات حتى بعد إبلاغ الضباط بحملهن، في خرق لتوجيهات داخلية للوكالة.
ثانيًا، يعاني نظام احتجاز المهاجرين من ضعف المراقبة والشفافية، حيث أُغلقت أو قلّت صلاحيات هيئات الرقابة الداخلية في وزارة الأمن الداخلي (DHS)، ما أضعف آليات مساءلة الحالات الفردية والتبليغ عنها.
ثالثًا، الظروف الصحية في مراكز الاحتجاز غالبًا ما تكون غير ملائمة للحمل -من ازدحام، غذاء غير كافٍ، تأخر في الكشف الطبي، استخدام القيود الجسدية- وهي عوامل تجعل النساء الحوامل أكثر عرضة للمضاعفات الخطيرة، وقد وثّق تقرير لحقائق تاريخية أن الفجوات في الرعاية كانت مستمرة لعقود.
وأخيرًا، تضع السياسات الوطنية في سياق أكبر من احتجاز ومتابعة قضايا الهجرة، حيث أكّدت لجنة من مجلس الشيوخ الأمريكي رصدها لـ 510 تقريرًا موثوقًا لانتهاكات حقوق الإنسان في مراكز الاحتجاز منذ بداية 2025، تشمل 14 حالة خاصة بالنساء الحوامل.
التداعيات الإنسانية والقانونية
المعاناة التي عاشتها المحتجزات في مراكز الاحتجاز داخل الولايات المتحدة لا تُقاس فقط بالمعاناة الجسدية والهدر الصحي، بل تمتد إلى أبعاد إنسانية عميقة تشمل فقدان الحمل، التعرّض للإجهاض، العزل الانفرادي، التقييد بالسلاسل، وكلها تجارب تُشكّل عبئًا نفسيًا وجسديًا لا يُمحى، وتفتح المجال لمساءلة العدالة والدولة.
من الناحية القانونية، تبرز انتهاكات واضحة لحقوق الإنسان: فالتعديل الرابع للدستور الأمريكي والتوجيهات الداخلية لوكالة ICE تمنع استخدام القوة أو القيود أو الإهمال الطبي بوصفها سياسات احتجاز، في حين تندرج حقوق النساء الحوامل تحت التزامات رعاية صحية ملائمة، وعلى الصعيد الدولي، يُعَدّ حق الرعاية الصحية والحق في الحياة من الحقوق الأساسية التي تتحمّل الدول مسؤولية ضمانها حتى في أوقات الاحتجاز أو التوقيف، بموجب المعايير الدولية.
وبات واضحًا أن هذه الممارسات تشكل خرقًا واضحًا لسياسات وإجراءات الاحتجاز الأمريكية للحوامل، وتقترن بمطالبات محلية ودولية بإطلاق سراح الحوامل فورًا، وتوفير رعاية طبية عاجلة ومُطابقة للمعايير المجتمعية، وإغلاق المراكز التي تسجّل انتهاكات متكرّرة.
ردود الفعل والمساءلة
ردّت وزارة الأمن الداخلي الأمريكية على التقرير بوصفه محاولة لتشويه سمعة وكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك، مشيرة إلى أن الحوامل يشكلن نسبة ضئيلة جدًا من المحتجزين (0.133%)، وأنهن يتلقين زيارات طبية منتظمة وخدمات غذائية ونفسية، إلا أن جماعات حقوق الإنسان اعتبرت الردّ غير كافٍ، وطالبت بإجراء تحقيقات مستقلة، ونشرت رسائل إلى لجان مجلس الشيوخ تطالب بإطلاق سراح الحوامل المحتجزات، والتحقيق في الحالات المعزّزة بالشهادات، إضافة إلى ذلك، ترى أطراف متعددة أن إلغاء أو تقليص جهات الرقابة الداخلية يزيد من مخاطرة الإفلات من المساءلة، ويُضعف قدرة النظام على حماية المحتجزين من الانتهاكات.
وقائع سابقة
ليست هذه القضية جديدة كليًا، فمنذ سنوات وثّقت منظمات مثل هيومن رايتس ووتش حالات عديدة من تأخير الرعاية أو الحبس الانفرادي أو تقييد النساء الحوامل أثناء النقل في مراكز الاحتجاز، مع عجز عن تنفيذ سياسات تفصّل رعاية الحوامل وفي 2010، رفعت منظمات شكاوى إدارية تطالب بإصلاحات عاجلة في معاملة الحوامل المحتجزات.
المطلوب وفق المنظمات الحقوقية: أولًا، إطلاق فوري للحوامل المحتجزات وتوفير بدائل احتجاز أو رعاية مجتمعية، وثانيًا، فتح تحقيق مستقل وشفّاف يسّهل الوصول إلى الوثائق الصحية، سجلات النقل، استخدام القيود، والإفصاح عن عدد الحوامل المحتجزات، وثالثًا، مراجعة سياسات الاحتجاز وتطبيق إجراءات رعاية طبية ملائمة وموافقة مستنيرة وترجمة للغة المحتجزة، ورابعًا، إعادة بناء آليات الرقابة داخل DHS وإعادة تفعيل جهات المراجعة التي تم إلغاؤها أو تقييدها، وأخيرًا، على المستوى الدولي، الالتزام بأن حقوق الإنسان في سياق الاحتجاز ليست ترفًا بل التزام قانوني يجب أن يُراعي النساء الحوامل بوصفهن فئة هشّة للغاية.











