يهدد الاستقرار الاجتماعي.. مخاوف من تحول الزواج في إيران إلى أداة لقمع المرأة
يهدد الاستقرار الاجتماعي.. مخاوف من تحول الزواج في إيران إلى أداة لقمع المرأة
يُعيد المجتمع الإيراني إنتاج مؤسسة الزواج بوصفها أداة سلطة لا علاقة عاطفية فحسب، إذ يتحول هذا الرابط الاجتماعي إلى وسيلة للهيمنة والسيطرة على أجساد النساء ومصائرهن، ضمن هياكل اجتماعية ودينية واقتصادية متشابكة، تجعل من المرأة كائناً يُدار لا يُختار، ويُستخدم للحفاظ على "النقاء الثقافي" و"الشرف الأسري" و"الاستقرار الاجتماعي".
تتجاوز الظاهرة البعد الثقافي لتدخل في جوهر ما يُعرف بـ"الاستعمار الداخلي"، حيث لا يُمارس القمع من الخارج، بل من داخل النظم العائلية والقبلية التي تكرّس سيطرة الذكور وتُعيد إنتاج الخضوع بأدوات ناعمة تحمل أسماءً مثل العادات، والأصالة، والدين، بحسب ما ذكرت وكالة " JINHA"، اليوم السبت.
ويُبرز التحليل النقدي لمؤسسة الزواج في المجتمعات الأبوية والدينية، وخصوصاً في إيران، أن الزواج لا يُعدّ مجرد عقد اجتماعي أو طقس ديني، بل منظومة للسيطرة تُحاكي مفهوم الاستعمار. فكما تُستعمر الأرض لتُستغل مواردها، يُستعمر جسد المرأة ليُتحكم بوقتها وحركتها وقراراتها وموقعها الاجتماعي.
تُصبح المرأة، وفق هذا المنظور، رمزاً للأرض التي يُعاد "ضمها" من عائلة إلى أخرى، في عملية تبدو اجتماعية لكنها تُخفي في طياتها نقل السيادة الثقافية والسياسية. فحين تنتقل الفتاة من بيت أسرتها إلى بيت زوجها، تنتقل معها السلطة على جسدها واسمها ولغتها وحتى علاقاتها الاجتماعية.
وفي المناطق المهمشة أو ذات التعدد العرقي، يتخذ هذا "الاستعمار الأسري" طابعاً أعنف، إذ يُستخدم الزواج وسيلة للدمج القسري وطمس الهوية الثقافية، فالفتاة التي تُنتزع من بيئتها المحلية لتتزوج في مدينة مركزية، لا تفقد فقط لغتها ولهجتها، بل تُعزل عن عالمها السابق وتتحول إلى "جزيرة صامتة" داخل بنية اجتماعية غريبة عنها.
سلاح لتغيير الجغرافيا الثقافية
يُستخدم الزواج في كثير من المناطق الإيرانية، خصوصاً في المحافظات القومية والإثنية، أداة للهندسة السكانية والتجانس الثقافي. إذ تُشجع الأنظمة المركزية الزواج بين الأقليات والأغلبية الدينية أو القومية في إطار سياسة غير معلنة للتكامل القسري.
ولا تُمارس هذه السياسات بالسلاح، بل عبر أدوات ناعمة كالتشجيع الثقافي والضغط الاقتصادي والدعاية الإعلامية، حيث تُصبح النساء حوامل غير راغبات لمشروع "توحيد الأمة" على حساب التنوع.
تُهمّش اللغة الأم للأقليات في الجيل التالي، وتُقطع الروابط الاجتماعية والثقافية للمرأة، لتتحول إلى وسيط في مشروع سياسي ديموغرافي، لا شريكاً في علاقة إنسانية، وبذلك يتحول الزواج إلى مساحة لتفكيك الهويات العرقية وترويض الثقافات المحلية، ما يجعل جسد المرأة ساحة صراع غير مرئي بين السلطة والمجتمع.
إعادة إنتاج القمع
في المفارقة الأشدّ، يُمارس الزواج داخل الأسرة أو القبيلة أو الطائفة بوصفه أداة معاكسة تماماً، فبدلاً من الدمج القسري يُستخدم للحفاظ على النقاء الثقافي والعائلي، لكنه في الوقت نفسه يُعيد إنتاج البنية الطبقية والسلطوية ذاتها.
يُعد هذا النوع من الزواج في الكثير من المناطق وسيلة لترسيخ الملكية والسيطرة على الثروة ومنع خروجها من نطاق العائلة، حيث يتحول جسد المرأة إلى أصل عائلي واقتصادي يُمنع تداوله خارج الإطار الأسري. وتُصبح الفتاة وسيلة للحفاظ على "شرف السلالة" أو "أصالة النسب"، لا كائناً حراً قادراً على الاختيار.
ومن الناحية الطبية والاجتماعية، يؤدي زواج الأقارب إلى تفاقم الأمراض الوراثية والاضطرابات النفسية، لكن في ظل غياب الوعي الجنسي والصحي، يُحوَّل الأمر إلى قدر ثقافي أو أخلاقي، تُلام فيه الضحايا بدلاً من مساءلة البنية المنتجة للأذى.
الزواج أداة للسيطرة
تُظهر هذه الممارسات أن الزواج في المجتمعات التقليدية لا يعمل فقط بصفته آلية اجتماعية، بل جهاز سياسي واقتصادي متكامل يهدف إلى ضبط السكان وإعادة إنتاج التسلسل الاجتماعي، فالسلطة هنا لا تُمارس بالعنف المباشر، بل عبر منظومة الأعراف التي تُقنع النساء بالقبول بدورهن بوصفهن "حارسات للشرف" و"رمزاً للهوية".
وبذلك يُصبح الجسد الأنثوي أداة لإدامة السيطرة، ليس فقط من قبل الدولة أو المؤسسة الدينية، بل أيضاً من داخل الأسرة ذاتها، في استعمار مزدوج يجعل المرأة ضحية ومفتاحاً لإعادة إنتاج النظام الأبوي في آن واحد.
ويُظهر هذا التحليل أن نقد مؤسسة الزواج في المجتمعات الأبوية ليس شأناً ثقافياً أو أخلاقياً فحسب، بل هو فعل سياسي من الدرجة الأولى. فإعادة النظر في الزواج بوصفه آلية هيمنة يعني خوض معركة أوسع ضد الاستعمار الداخلي والتمييز البنيوي الذي يحدّد علاقة الجسد بالأسرة، والأسرة بالأمة.
ولا يمكن تحقيق تحرر النساء دون تفكيك هذه البنى التي تُعيد إنتاج الخضوع تحت شعار "التقاليد"، فالتحرر الحقيقي يبدأ حين يُعاد تعريف العلاقة بين الأنوثة والسلطة والهوية، وحين يُنظر إلى الجسد الأنثوي لا بوصفه رمزاً للملكية أو الشرف، بل مساحة للحرية والاختيار والمقاومة.










