جحيم الصدمة.. تصاعد الأمراض النفسية والانتحار بين الإسرائيليين بعد حرب غزة

جحيم الصدمة.. تصاعد الأمراض النفسية والانتحار بين الإسرائيليين بعد حرب غزة
انتحار بالحرق- أرشيف

أشعل شرطي إسرائيلي سابق، يبلغ من العمر أربعين عاماً، النار في نفسه أمام منزل مسؤول كبير في قسم إعادة التأهيل بوزارة الدفاع الإسرائيلية، احتجاجاً على الإجراءات البيروقراطية المتعلقة بالاعتراف بإصابته النفسية الناجمة عن خدمته العسكرية.

وأكدت وسائل إعلام عبرية، اليوم الجمعة، أن الشرطي يعاني من اضطراب ما بعد الصدمة، وأن الحادثة وقعت في حي “نيف إيلان” بالقرب من القدس المحتلة، حيث اندلع الحريق في فناء أحد المنازل قبل أن تقوم طواقم الإطفاء بإخماده.

ونُقل الشرطي المصاب في حالة حرجة إلى مستشفى هداسا عين كارم، وهو موصول بجهاز تنفس صناعي ويتلقى العلاج في وحدة العناية المركزة.

وقالت قوات الإطفاء والإنقاذ في بيان رسمي، إن محقق حرائق باشر التحقيق في ملابسات الحادث، الذي أثار موجة واسعة من الجدل حول أوضاع المصابين النفسيين من عناصر الجيش والشرطة الإسرائيليين، خاصة في ظل تزايد حالات الانتحار بين الجنود منذ اندلاع الحرب على غزة.

الحرب تُخلّف جروحاً لا تُرى

تزامنت الحادثة مع صدور دراسة إسرائيلية جديدة كشفت عن انتشار واسع لاضطرابات ما بعد الصدمة والاكتئاب والقلق داخل المجتمع الإسرائيلي، خصوصاً بين الجنود والمحاربين القدامى الذين شاركوا في العمليات العسكرية ضد غزة.

وأشارت الدراسة، التي أعدتها مؤسسة التمويل الاجتماعي في إسرائيل، إلى أن تداعيات الحرب المستمرة منذ عامين لم تعد مجرد أزمة اجتماعية، بل أصبحت أزمة وطنية واقتصادية كبرى.

وقدّرت الدراسة أن العبء الوطني لاضطراب ما بعد الصدمة سيكلف الاقتصاد الإسرائيلي نحو 50 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة، نتيجة الخسائر في الإنتاجية والتكاليف الطبية الباهظة لإعادة التأهيل والعلاج النفسي.

وبيّنت الأرقام أن تكلفة الحالة الواحدة من اضطراب ما بعد الصدمة تتراوح بين 1.8 و2.2 مليون شيكل (500 إلى 600 ألف دولار) على مدى العمر، وأن 74% من هذه التكاليف لا تُنفق على العلاج بل على الخسائر الاقتصادية الناتجة عن فقدان القدرة على العمل والإنتاج.

اقتصاد ينهار بصمت

تُظهر الإحصاءات الرسمية أن 20 ألف جندي إسرائيلي أُصيبوا منذ بدء الحرب، معظمهم يعانون من إصابات نفسية، في حين أن أكثر من 56% من المرضى في قسم إعادة التأهيل بوزارة الدفاع يعانون من اضطرابات حادة في السلوك أو المزاج.

وتتوقع الوزارة تسجيل عشرات الآلاف من الحالات الجديدة بحلول عام 2028، ما يهدد بانهيار منظومة الدعم النفسي والعلاج داخل إسرائيل.

ونقلت صحيفة يديعوت أحرونوت عن باحثين قولهم إن هذه الأزمات "تتسرب إلى كل بيت، وتفكك الأسر والعلاقات، وتُربك الأطفال، وتدفع بالمحاربين القدامى إلى الانعزال وفقدان الثقة بالمجتمع".

وأضافت الصحيفة أن الأزمة النفسية الراهنة تمثل "جبهة خفية" لا تقل خطورة عن ساحات الحرب، إذ تُضعف النسيج الاجتماعي وتُثقل كاهل الاقتصاد بخسائر متزايدة في الإنتاجية وفرص العمل.

الجنود في مواجهة أنفسهم

وأشارت مجلة ذا لانسيت الطبية إلى أن معدلات اضطراب ما بعد الصدمة والاكتئاب تضاعفت تقريباً بين الإسرائيليين منذ هجوم السابع من أكتوبر 2023، موضحةً أن 5.3% من السكان يعانون حالياً من اضطرابات نفسية حادة.

ويواجه كثير من الجنود العائدين من غزة أعراضاً خطيرة، مثل نوبات الغضب، والانفصال العاطفي، واضطرابات النوم، مما يؤدي إلى انهيار العلاقات الزوجية وتفكك الأسر، فضلاً عن فقدان القدرة على الاستقرار في العمل.

ويُحذر الخبراء من أن استمرار هذه الأزمة دون معالجة حقيقية قد يُحوّل الصدمة الجماعية إلى نزيف اقتصادي واجتماعي دائم يصعب احتواؤه في السنوات القادمة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية