بين الغضب والانتظار.. أزمة الرهائن الإسرائيليين تتعمق مع استمرار الغموض حول مصير المفقودين

بين الغضب والانتظار.. أزمة الرهائن الإسرائيليين تتعمق مع استمرار الغموض حول مصير المفقودين
أقارب الرهائن الإسرائيليين وأنصارهم يشاركون في احتجاج بتل أبيب

شهدت تل أبيب مساء السبت مظاهرات جديدة نظمتها عائلات الرهائن الإسرائيليين المحتجزين في قطاع غزة ومناصروهم، مطالبة الحكومة بالتحرك الفوري لتأمين الإفراج عن جميع الرهائن المتبقين، ورفع المتظاهرون صور أبنائهم وشعارات تطالب بالمساءلة، متهمين السلطات بالتباطؤ في المفاوضات مع الوسطاء الدوليين.

المشاهد التي تكررت في ميدان “كابلان” وسط المدينة بدت انعكاساً لمشاعر الغضب واليأس التي تتزايد بين العائلات، بعد شهور من الوعود المتكررة بصفقة تبادل لم ترَ النور بعد، ومع تواتر أنباء عن تسليم رفات لا تتطابق مع أي من المفقودين المعروفين وفق فرانس برس.

رفات مجهولة تزيد الغموض

أعلن الجيش الإسرائيلي في وقت سابق السبت أن نتائج الفحص الطبي لثلاث جثث كانت حركة حماس قد سلمتها إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر، أظهرت أنها لا تعود لأي من الرهائن الإسرائيليين المفقودين في غزة، وأوضح أن معهد الطب الشرعي أجرى فحوص الحمض النووي للجثامين التي نُقلت مساء الجمعة، لكن النتائج لم تطابق بيانات المفقودين.

هذا التطور أعاد الجدل حول مصداقية عمليات التسليم، خاصة بعد حوادث سابقة تم فيها تسليم رفات تبيّن لاحقاً أنها تعود لأشخاص غير معروفين، وأثارت هذه الوقائع غضباً واسعاً في الأوساط الإسرائيلية، حيث اعتبر أهالي الرهائن أن مثل هذه الحوادث تزيد من معاناتهم النفسية، وتعمّق الإحباط حيال بطء التقدم في المفاوضات الجارية عبر الوسطاء الإقليميين والدوليين.

موقف حماس وتبريراتها

في المقابل أوضحت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، في بيان نقلته وكالة الصحافة الفلسطينية "صفا" أنها تواجه صعوبة بالغة في تحديد مواقع القتلى تحت أنقاض المباني المدمّرة والأنفاق التي طمرتها الغارات الإسرائيلية في قطاع غزة، مؤكدة أنها طالبت اللجنة الدولية للصليب الأحمر بتوفير المعدات والطواقم اللازمة لانتشال الجثامين بشكل متزامن.

وقالت الكتائب إنها عرضت في اليوم السابق تسليم عينات من جثامين مجهولة الهوية لتسريع عملية التحقق، لكن إسرائيل رفضت تسلم العينات مطالبة باستلام الجثث كاملة. وأضافت أن تسليم الجثث الثلاث تم في نهاية المطاف لتفويت الفرصة على ما وصفته بـ"ادعاءات العدو".

ويأتي تسليم الرفات في إطار اتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في أكتوبر الماضي، ويتضمن ترتيبات إنسانية لتبادل الأسرى والجثامين بإشراف الوسطاء.

استمرار الغموض حول مصير المفقودين

في آخر عملية تسليم قبل الحادث الأخير، كانت حماس قد أعادت جثتي رهينتين إسرائيليتين تم التعرف عليهما بأنهما تعودان لعميرام كوبر وساهر باروخ. ووفق بيانات رسمية إسرائيلية، لا يزال هناك أحد عشر جثماناً لرهائن في عداد المفقودين داخل قطاع غزة، إضافة إلى عدد آخر يُعتقد أنهم أحياء لكن أماكن احتجازهم غير معلومة.

وتقول عائلات الرهائن إن الحكومة لا تبذل ما يكفي لإعادتهم، في حين ترد السلطات بأن العملية معقدة وتخضع لحسابات أمنية دقيقة. في الوقت نفسه، تؤكد مصادر دبلوماسية أن المفاوضات غير المباشرة الجارية عبر وسطاء من قطر ومصر تشهد تعثراً بسبب الخلافات حول الشروط المتبادلة بين إسرائيل وحركة حماس.

انقسام داخلي وضغط شعبي

الاحتجاجات الأخيرة تعكس تصاعد التوتر داخل المجتمع الإسرائيلي بين مؤيدين لاستمرار العمليات العسكرية للضغط على حماس، وآخرين يطالبون بوقف النار الكامل لتأمين عودة الرهائن، ويقول مراقبون إن الحكومة الإسرائيلية تواجه واحدة من أعقد الأزمات في تظاهرة السبت، تحدثت والدة أحد المفقودين أمام الحشود فقالت إن كل دقيقة تمر دون تقدم هي خيانة لأبنائنا، داعية المجتمع الدولي إلى التدخل. وشدد متحدثون آخرون على ضرورة إجراء صفقة شاملة تشمل تبادل الأسرى والجثث ووقفاً دائماً لإطلاق النار، بدلاً من اتفاقات جزئية تتعثر بعد كل جولة.

الموقف الإنساني والمنظمات الدولية

اللجنة الدولية للصليب الأحمر أكدت أنها تعمل بصفتها وسيطاً محايداً لتنسيق عمليات استلام وتسليم الجثامين، معربة عن قلقها العميق إزاء استمرار احتجاز المدنيين في ظروف مجهولة، وأوضحت أن القانون الدولي الإنساني يلزم جميع أطراف النزاع بمعاملة الأسرى والرهائن معاملة إنسانية، وضمان معرفة ذويهم بمصيرهم.

من جهتها، شددت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان على أن احتجاز المدنيين رهائن يشكل انتهاكاً خطيراً للقانون الدولي، مطالبة بالإفراج الفوري عن جميع المحتجزين، كما دعت إسرائيل إلى احترام التزاماتها القانونية في التعامل مع الجثامين وتسليمها بطريقة تحفظ كرامة الموتى وتتيح لعائلاتهم الحداد بصورة لائقة.

منظمة هيومن رايتس ووتش وصفت في تقرير حديث تبادل الرفات المجهولة بـ“المشهد المؤلم” الذي يكشف حجم التعقيد الإنساني في النزاع الدائر. ودعت إلى تحقيق دولي مستقل لتوثيق ظروف وفاة الرهائن والمحتجزين لدى الطرفين.

البعد القانوني والإنساني

وفق القانون الدولي الإنساني، فإن احتجاز رهائن من المدنيين محظور بشكل مطلق في النزاعات المسلحة، وتنص المادة الثالثة المشتركة في اتفاقيات جنيف على ضرورة معاملة جميع الأشخاص المحتجزين معاملة إنسانية، كما تفرض التزامات واضحة بشأن تسليم الجثامين وإعادة رفات القتلى إلى ذويهم دون تأخير.

ويرى خبراء قانونيون أن عدم وضوح مصير المفقودين من الجانبين قد يشكل انتهاكاً مزدوجاً، إذ يتحمل الطرفان مسؤولية تقديم المعلومات الكاملة للعائلات. كما أن التلاعب السياسي بملف الجثامين أو استخدامه ورقة تفاوض يضعف الثقة في مسار الوساطات الإنسانية.

تداعيات نفسية على العائلات

تعيش عائلات الرهائن حالة من التوتر والإنهاك النفسي منذ أشهر طويلة، وأبلغت الجمعيات الإسرائيلية المتخصصة في الدعم النفسي عن ارتفاع معدلات الاكتئاب والاضطرابات النفسية بين أفراد هذه الأسر، ويقول أطباء نفسيون إن حالة “اللايقين الطويلة” حول مصير الأبناء أشد قسوة من تلقي خبر الوفاة نفسه.

كما تتزايد الدعوات في إسرائيل لتشكيل لجنة رسمية لتقييم أداء الحكومة في إدارة الملف، خاصة بعد الانتقادات الموجهة للجيش حول ضعف الشفافية في نقل المعلومات للعائلات.

أزمة الرهائن

تعود قضية الرهائن إلى السابع من أكتوبر 2023، حين شنت حماس هجوماً واسعاً على جنوب إسرائيل أدى إلى مقتل وإصابة المئات وأسر العشرات، نُقل عدد كبير منهم إلى داخل قطاع غزة، ومنذ ذلك الحين، شكّل الملف محوراً أساسياً في كل جولة تفاوض بين الجانبين.

على مدار العامين الماضيين، تمت عدة عمليات لتبادل جزئي للأسرى والرهائن بوساطة قطرية ومصرية، لكن معظمها توقف بعد انهيار الهدن المؤقتة، وتشير تقديرات إسرائيلية إلى أن نحو مئة رهينة أُفرج عنهم في تلك الصفقات، في حين لا يزال العشرات في عداد المفقودين أو المحتجزين.

ملف الرهائن بين إسرائيل وحماس بات أكثر من مجرد قضية تفاوضية، إذ تحول إلى معضلة إنسانية تمس جوهر الصراع نفسه، فكل جثمان يُسلَّم يفتح جرحاً جديداً في الذاكرة الجمعية للطرفين، وكل تأخير في التوصل إلى اتفاق يعمق المعاناة الإنسانية لعائلات تنتظر خبراً عن أحبائها.

وبينما تشتد الضغوط الداخلية على الحكومة الإسرائيلية وتتعاظم النداءات الدولية لضبط النفس، يبقى الأمل معلقاً على وساطات تحاول حل الأزمة في وقت يدفع فيه المدنيون الثمن الأكبر من استمرار غياب الحل السياسي والإنساني الشامل.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية