منح الرجال سلطة كبرى.. انتقادات نسوية لتعديلات قانون الأحوال الشخصية في العراق
منح الرجال سلطة كبرى.. انتقادات نسوية لتعديلات قانون الأحوال الشخصية في العراق
دفعت التعديلات الأخيرة على قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم 188 لسنة 1959 التي أقرّها مجلس النواب في 24 يوليو 2024 ودخلت حيّز التنفيذ مطلع يناير الماضي، مئات النساء العراقيات إلى مغادرة منازلهن والنزوح نحو إقليم كردستان، في واحدة من أسوأ الأزمات الاجتماعية التي تواجه المرأة العراقية منذ سنوات.
ورأت منظمات نسوية وحقوقية أن هذه التعديلات مثّلت خطوة إلى الوراء في مسار المساواة، إذ رسّخت التمييز ضد النساء ومنحت الرجال سلطة كبرى في قضايا الحضانة والزواج والطلاق، بحسب ما ذكرت وكالة "JINHA"، اليوم الاثنين.
وكشفت تقارير ميدانية أن أكثر من 800 امرأة اضطررن إلى النزوح برفقة أطفالهن من مدن جنوب العراق إلى إقليم كردستان، هرباً من تداعيات القانون المعدّل الذي يمنح الأب حق انتزاع حضانة الطفل من الأم بعد الطلاق، حتى وإن كانت الأم تحتفظ بها لسنوات طويلة.
انتهاكات بحق النساء
وفي السياق، أوضحت المحامية وعضوة البرلمان السابقة ريزان شيخ دلير، أن القانون المعدّل "فتح الباب أمام سلسلة من الانتهاكات بحق النساء، خصوصاً في المناطق ذات الأغلبية الشيعية".
وأشارت إلى أن كثيراً من الأمهات يعشن اليوم في خوف دائم من فقدان أطفالهن، ما دفعهن إلى ترك كل شيء وراءهن بحثاً عن حماية قانونية وإنسانية داخل الإقليم.
وأكدت دلير أن المجلس الأعلى لتحالف النساء تلقى إشعارات رسمية بوجود حالات تهجير واسعة لنساء من محافظات الجنوب بسبب القانون الجديد، موضحةً أن غياب ضمانات قانونية واضحة لحقوق الأمهات جعل من النزوح خياراً وحيداً لتجنب خسارة أطفالهن.
معاناة في إقليم كردستان
واجهت النساء النازحات إلى كردستان واقعاً قاسياً بعد وصولهن، إذ تعاني أغلبهن من غياب المأوى وندرة فرص العمل وصعوبة الحصول على الخدمات الأساسية.
وقالت دلير إن "الكثير من النساء اضطررن إلى العيش في فنادق أو منازل مؤقتة بمساعدة أصدقاء أو معارف، في حين لجأت أخريات إلى الشوارع بسبب غياب الدعم الحكومي".
وأضافت أن تحالف 188 بالتعاون مع شبكة النساء العراقيات يعمل على معالجة أزمة السكن من خلال التنسيق مع السلطات المحلية، لكن ضعف الإمكانيات حال دون إيجاد حلول شاملة.
وأشارت إلى أن بعض النساء اضطررن لحرمان أطفالهن من التعليم بسبب الظروف المعيشية الصعبة، ما أدى إلى ارتفاع معدلات الأمية بين الأطفال النازحين.
تمييز قانوني يهدد الأسرة
أوضحت دلير أن القانون المعدّل رسّخ التمييز ضد المرأة، إذ يمنح الرجل سلطة شبه مطلقة في قرارات الحضانة والطلاق، دون مراعاة لحقوق الأم أو مصلحة الطفل.
وأكدت أن "المحاكم في المناطق الجنوبية باتت تميل لصالح الرجال، في ظل ثقافة اجتماعية تعد المرأة مسؤولة عن فشل العلاقة الزوجية، ما جعلها الضحية الأولى لهذا التشريع".
ولفتت إلى أن بعض الأمهات فقدن أطفالهن حتى بعد غياب الآباء عن حياتهم لسنوات طويلة، إذ طالبت عائلاتهم باستعادتهم بناءً على القانون الجديد، في تجاهل تام للعلاقة العاطفية بين الأم وأطفالها.
ووصفت دلير هذا الواقع بأنه "انتهاك صارخ لحق الأمومة وتهديد مباشر لاستقرار الأسرة العراقية".
دعوات لوقف التمييز
دعت ريزان شيخ دلير ومنظمات نسوية عدة إلى تدخل عاجل من المجتمع الدولي، ومطالبة الحكومة العراقية بإعادة النظر في التعديل القانوني بما ينسجم مع الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان.
وطالبت رئاسة إقليم كردستان بعدم تطبيق القانون داخل الإقليم لضمان حماية النساء والأطفال من تداعياته، مشددة على أن استمرار العمل به "سيؤدي إلى تفكك الأسر وتزايد النزوح الداخلي وتفاقم الأزمات الاجتماعية".
واختتمت دلير حديثها بالتأكيد أن "إعادة صياغة القانون يجب أن تراعي العدالة بين الجنسين، وأن تضمن بقاء الطفل في بيئة آمنة ومستقرة، بعيداً عن الصراعات القانونية التي تحرم الأمهات من أبسط حقوقهن الإنسانية".











