بين الجبال والحدود.. مهاجرون عالقون في محطة العبور المقدونية

بين الجبال والحدود.. مهاجرون عالقون في محطة العبور المقدونية
مركز استقبال طالبي اللجوء في مقدونيا الشمالية

كشفت شهادات لمهاجرين عالقين في مقدونيا الشمالية عن واقعٍ إنساني قاسٍ يعيشه المارّون عبر هذا البلد الصغير، الذي تحوّل من ممرٍّ مؤقت في طريق الهجرة إلى محطة اضطرارية للانتظار والألم.

وعلى الرغم من أن الغالبية العظمى من المهاجرين لا يرغبون في البقاء فيه، فإن ظروفاً صحية أو قانونية أو إنسانية تُجبر بعضهم على طلب اللجوء، في بلدٍ يرونه مجرّد جسرٍ إلى أوروبا الغربية، بحسب ما ذكر موقع "مهاجر نيوز"، الاثنين.

يروي محمد، شاب مغربي يبلغ 25 عاماً، قصته وهو يستند إلى عكازة بعد أن أُجريت له عملية جراحية في ساقه إثر سقوطه من شاحنة أثناء عبوره من اليونان. 

يقول بصوتٍ متعب: “لا شيء يستحق هذه المغامرة، لكن بعد كل ما خسرته، لا يمكنني التراجع.. أريد فقط أن أكمل طريقي”.

وجد محمد نفسه في مركز طالبي اللجوء في فيزبيغوفو قرب العاصمة سكوبيا منذ شهر، محاطاً بأشخاص من بلدان مختلفة، يجمعهم حلم واحد: الوصول إلى أوروبا الغربية بأي ثمن.

أمراض وأحلام مؤجلة

وفي الممرات نفسها، يرقد واصل، شاب تونسي يبلغ 21 عاماً، يعاني من مرض السرطان الذي دفعه إلى مغادرة بلاده بعدما عجزت عائلته عن تحمّل تكاليف العلاج. 

يقول مترجم المركز إنه اضطر لتقديم طلب لجوء فقط ليبقى على قيد الحياة ريثما يجد طريقة للذهاب إلى إيطاليا، حيث يعرف أصدقاء قد يساعدونه في العلاج.

قصة واصل ليست استثناءً، فالكثير من المهاجرين يعيشون حالاتٍ مشابهة، يتنقلون بين المراكز والمستشفيات بانتظار تحسّنٍ قد لا يأتي أبداً.

بين الانتظار والهرب

تُظهر بيانات الهيئة اليسوعية لخدمة اللاجئين (JRS) والصليب الأحمر أن عدد طالبي اللجوء المسجلين في مقدونيا الشمالية هذا العام حتى منتصف أكتوبر بلغ 149 شخصاً فقط، معظمهم من سوريا ونيبال والعراق وتركيا ومصر وأفغانستان.

لكن الغالبية لا تنتظر البت في ملفاتها، إذ تمكث أياماً قليلة في المركز قبل أن تغادر نحو الشمال باتجاه صربيا أو كوسوفو، بحثاً عن فرصة أفضل أو طريقٍ أكثر أمناً.

ويقول المحامي ميتكو كيبرافسكي من “JRS” إن أغلب السوريين الذين يقدمون طلبات لجوء إنما يفعلون ذلك اضطراراً بعد توقيفهم من قبل الشرطة أثناء محاولات التهريب، موضحاً أن “الطريقة الوحيدة للخروج من الاحتجاز هي التقدم بطلب لجوء”، ثم يغادرون بعد أيام “في اتجاهات غير معروفة”.

ظروف معيشية قاسية 

تصف شهادات المهاجرين ظروف الحياة في مراكز الإيواء بأنها صعبة وغير إنسانية، حيث يقول شاب مغربي يقيم في المركز: “وجبة واحدة باليوم تكفينا فقط للبقاء على قيد الحياة”، بينما يضيف الشاب الأفغاني قيوم أنه لم يتناول وجبة ساخنة منذ ثلاثة أيام، مشيراً إلى أن الطعام “سيئ والظروف العامة ليست جيدة”.

أما التونسي محمد فيشتكي من مضايقات يتعرض لها المهاجرون من بعض الأطفال قرب المركز، قائلاً: “يرمون الحجارة علينا كل يوم”.

وتروي منظمات إنسانية أن العديد من المقيمين يعانون من اضطرابات نفسية، وأن بعضهم فقدوا القدرة على التواصل نتيجة الصدمات أو طول الانتظار.

إجراءات ونتائج سلبية

يشرح كيبرافسكي أن طلب اللجوء يمكن تقديمه في مراكز الحدود أو لدى الشرطة، ويتم تسجيل البيانات وأخذ البصمات، ثم نقل المتقدمين إلى مركز فيزبيغوفو حيث ينتظرون المقابلة الرسمية التي قد تتأخر ستة أشهر.

لكن معظم القرارات تكون سلبية، إذ ترفض السلطات معظم الطلبات وتمنح الحماية في حالات نادرة جداً.

فعلى مدى عشر سنوات، لم يحصل على حق اللجوء الكامل سوى عدد محدود لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، بينهم مريم، امرأة سورية تبلغ 30 عاماً أصيبت بكسر في قدمها أثناء هروبها من الشرطة عام 2015، فاضطرت للبقاء حتى اليوم في سكوبيا مع طفلتها.

يقول كيبرافسكي إن حالتها تجسد “الوجه الإنساني للعبور القسري، حين يتحول التعثر في الطريق إلى إقامة دائمة”.

بلد عبور لا مقصد

منذ ذروة أزمة الهجرة عام 2015، ظلّت مقدونيا الشمالية محطة عبور رئيسية على “طريق البلقان”، لكنها لم تتحول إلى بلد استقرار. فالقوانين المعقدة، ونقص المساعدات، وصعوبة الحصول على الإقامة أو العمل، جعلت منها بلداً للانتظار فقط.

ويشير تقرير جمعية المحامين الشباب المقدونيين (MYLA) إلى أن السوريين والأفغان يشكلون الفئتين الأكثر عبوراً، خاصة بعد تصاعد عمليات الترحيل القسري من تركيا عام 2024، ما دفع كثيرين للبحث عن مخرج جديد نحو أوروبا.

ورغم صغر مساحة مقدونيا الشمالية، إلا أن قصص العابرين عبرها تكشف صورة أوسع لأوروبا الحدودية: حدودٌ تتشدد، وأحلامٌ تتبدد، ومهاجرون عالقون بين القانون والقدر.

فاللاجئون هنا ليسوا مجرد أرقامٍ في إحصاءات اللجوء، بل وجوهٌ تحمل آثار الجراح، وأسماء تكتب على خرائط الغربة، حيث يتحوّل الانتظار إلى قَدرٍ مفتوح على المجهول.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية