بين الروح والقانون.. دعوة بابوية للاعتراف بحقوق المهاجرين المحتجزين بالولايات المتحدة

بين الروح والقانون.. دعوة بابوية للاعتراف بحقوق المهاجرين المحتجزين بالولايات المتحدة
أحد مراكز الاحتجاز في الولايات المتحدة

في تصريح مقتضب أمام الصحفيين خارج مقرّه الصيفي في كاستل غاندولفو، دعا بابا الفاتيكان البابا لاوون الرابع عشر إلى التفكير بعمق فيما يجري في الولايات المتحدة من إجراءات بحق المهاجرين المحتجزين، مشيراً إلى أن عدداً كبيراً من الأشخاص الذين عاشوا سنوات كثيرة دون أن يسببوا مشاكل تأثروا كثيراً بما يحدث الآن. 

جاءت تصريحات البابا خلال ردّه على أسئلة تناولت قضايا الهجرة والحقوق الروحية للمحتجزين في سياق حملة حكومية أدّت إلى اعتقالات وترحيلات واسعة وفق وكالة رويترز.

نداء البابا جاء متمحوراً حول بعدين متداخلين: الأول إنساني وأخلاقي يرتكز على نصوص دينية مركزية تسأل عن كيفية استقبال الغريب ورعايته، والثاني عملي يتعلق بحقوق المهاجرين المحتجزين في الوصول إلى الرعاية الروحية والبدنية داخل مرافق الاحتجاز.

وفي هذا الإطار، طالب البابا السلطات بأن تسمح للعاملين الرعويين بالاعتناء بحاجات هؤلاء الأشخاص، مذكّراً بأن كثيرين من المحتجزين يفصلون عن عائلاتهم لفترات طويلة دون أن يعرف أحد مصيرهم أو حالتهم الصحية والنفسية وفق "Catholic News Agency".

توتر حول سياسات الهجرة 

تصريحات بابا الفاتيكان تأتي في ظل توتر سياسي في الولايات المتحدة حول سياسات الهجرة، حيث اتخذت إجراءات صارمة وصفتها منظمات حقوقية ومجموعات مدنية بأنها أدت إلى احتجاز أعداد كبيرة من المهاجرين في مرافق مؤقتة أو إصلاحية.

وأبدى البابا، بوصفه أول بابا مولود في الولايات المتحدة، خلال أشهر ماضية معارضة لما وصفه بالمعالجة اللاإنسانية لبعض السياسات، مؤكداً أن مبدأ حماية الحياة والكرامة يجب أن يطول كل إنسان بغض النظر عن وضعه القانوني.

الاحتجاز الجماعي للمهاجرين لا يحمل أبعاداً قانونية فحسب بل يترك آثاراً إنسانية عميقة منها انقطاع عن الأسرة، وفقدان الوصول إلى الأدوية والعلاج، وتدهور الصحة النفسية، وغياب المشورة الروحية أو الدعم الديني الذي قد يعدُّ مصدراً للأمل في ظروف انفصال ومعاناة.

وقد حاولت منظمات كاثوليكية محلية زيارة بعض المرافق لتقديم المعونة والخدمة الدينية لكن ترفض السلطات أحياناً السماح بدخول القساوسة، ما أثار احتجاجات من قيادات دينية في الولايات المتحدة. 

وفي وقت سابق، حمّل البابا لاوون الرابع عشر، الحكومات التي تسيء معاملة المهاجرين المستضعفين مسؤولية ارتكاب "جرائم خطيرة" باسم الأمن والسيادة، محذرًا من تحول الخوف من الآخر إلى سياسة رسمية تطمس القيم الإنسانية.

جاءت تصريحات بابا الفاتيكان خلال لقائه منظمات المجتمع المدني المشاركة في اللقاء الدولي الخامس للحركات الشعبية في روما، حيث تناول قضايا اجتماعية ملحّة؛ منها أوضاع المهاجرين، وأزمة المواد الأفيونية في الولايات المتحدة، والاستغلال المرتبط باستخراج المعادن الاستراتيجية.

الحدود والواجب الأخلاقي

أكد البابا أن للدول الحق والواجب في حماية حدودها، لكنه شدد على أن هذا الحق يجب أن يتوازن مع الواجب الأخلاقي في توفير المأوى والحماية للضعفاء الفارين من الجوع أو الحروب أو الاضطهاد، وقال في كلمته: إساءة معاملة المهاجرين المستضعفين ليست ممارسة مشروعة للسيادة الوطنية، بل جرائم خطيرة ترتكبها الدولة أو تتسامح معها.

ووصف بابا الفاتيكان بعض التدابير المتخذة بحق المهاجرين بأنها غير إنسانية، مشيرًا إلى أنها أصبحت يُحتفى بها سياسيًا وكأنها إنجازات، في حين أنها تحوّل أشخاصًا يائسين إلى أرقام أو أعباء تُلقى بعيدًا كما لو كانوا قمامة، لا بشراً يستحقون الكرامة والرحمة.

ورداً على تصريحات البابا السابقة، رفض البيت الأبيض اتهامات بابا الفاتيكان التي وصف فيها سياسة إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجاه المهاجرين بأنها "لاإنسانية"، وأكدت المتحدثة باسم الرئاسة كارولاين ليفيت أن واشنطن "تطبق قوانين البلاد بأكثر الطرق إنسانية ممكنة"، مضيفة أن الحديث عن "سوء معاملة" للمهاجرين غير الشرعيين "غير دقيق وغير عادل".

سياسة متشددة في الهجرة

بدأت إدارة ترامب بالفعل تطبيق سياسة مشددة تقوم على الاعتقال والطرد الجماعي للمهاجرين غير النظاميين، وهو ما أثار انتقادات واسعة من المنظمات الحقوقية الدولية ومن دوائر داخل الكنيسة الكاثوليكية.

سياسة الهجرة في الولايات المتحدة شكلت على الدوام محوراً للانقسام السياسي والاجتماعي، ففي عهد ترامب، تضاعفت الإجراءات الصارمة بحق المهاجرين غير النظاميين، ومنها سياسات "الفصل الأسري" عند الحدود، وإقامة مراكز احتجاز مثيرة للجدل، هذه الإجراءات وُوْجهت بانتقادات حادة من الأمم المتحدة، منظمات الإغاثة الدولية، والكنيسة الكاثوليكية التي تضم 1.4 مليار تابع حول العالم.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية