في الأحياء والحقول.. مخلفات الحرب تواصل إزهاق أرواح الأطفال والمدنيين السوريين
في الأحياء والحقول.. مخلفات الحرب تواصل إزهاق أرواح الأطفال والمدنيين السوريين
تكشف حوادث انفجار الألغام ومخلفات الحرب في سوريا عن مأساة مستمرة تهدد حياة المدنيين يومياً، في مشهد يعكس عمق الأزمة الإنسانية والأمنية التي تعيشها البلاد منذ سنوات. فبين المنازل والحقول والطرقات، تتحول بقايا الحرب إلى أدوات قتل صامتة، لا تفرق بين طفل يلعب أو مزارع يبحث عن رزقه أو أسرة تحاول استعادة حياتها الطبيعية بعد سنوات من النزوح والخوف.
حصيلة دامية خلال ديسمبر
خلال شهر ديسمبر 2025، سجل المرصد السوري لحقوق الإنسان مقتل 13 مدنياً نتيجة انفجار ألغام وأجسام غير متفجرة من مخلفات الحرب في مناطق متفرقة من سوريا، وتكشف هذه الأرقام عن مأساة مضاعفة، إذ كان من بين القتلى 9 أطفال وامرأة، في مؤشر واضح إلى أن الفئات الأكثر ضعفاً هي الأكثر تضرراً من هذا الخطر المزمن، كما أصيب 20 شخصاً آخرون بجروح متفاوتة، بينهم 9 أطفال، بعضهم تعرض لإصابات خطيرة قد تترك آثاراً دائمة على حياتهم وفق وكالة أنباء المرأة.
توزعت حوادث الانفجار التي وثقها المرصد خلال الشهر الجاري على مناطق تخضع لسيطرة الحكومة السورية المؤقتة، ومناطق الإدارة الذاتية، إضافة إلى مناطق سيطرة الجيش الوطني، هذا التوزع الجغرافي والسياسي يعكس حقيقة واحدة، وهي أن خطر الألغام لا يعترف بحدود النفوذ ولا يميز بين منطقة وأخرى، بل يلاحق المدنيين أينما وجدوا، ويؤكد أن ملف إزالة مخلفات الحرب لا يزال مهملاً في عموم البلاد.
الأطفال في واجهة المأساة
تشير المعطيات الميدانية في سوريا إلى أن الأطفال يشكلون النسبة الكبرى من الضحايا، سواء بين القتلى أو المصابين. ففي كثير من الحالات تنفجر الأجسام المتروكة أثناء لعب الأطفال أو عبثهم بأجسام مجهولة في محيط منازلهم أو في الأراضي المفتوحة، هذه الوقائع تعكس غياب التوعية الكافية، وانعدام الإجراءات الوقائية، وافتقار المناطق المتضررة إلى برامج حماية فعالة تستهدف الأطفال بشكل خاص.
لم تقتصر حوادث الانفجار على أماكن بعيدة أو مناطق مهجورة، بل طالت مدنيين أثناء مرورهم في الطرقات العامة، أو أثناء رعي المواشي، أو خلال العمل الزراعي، وهو ما يحول الأنشطة اليومية البسيطة إلى مغامرة خطرة، ففي أرياف إدلب وحماة وحمص ودير الزور وحلب ودرعا والسويداء، وثق المرصد سلسلة من الانفجارات التي وقعت في سياقات الحياة الطبيعية، ما يعكس حجم التهديد الذي تشكله مخلفات الحرب على سبل العيش والاستقرار.
هشاشة أمنية وإنسانية مستمرة
يرى المرصد السوري لحقوق الإنسان أن هذه الحوادث المتكررة تعكس هشاشة الوضع الأمني والإنساني في مختلف المناطق السورية، حيث لا تزال مخلفات الحرب منتشرة على نطاق واسع دون وجود خطط شاملة لإزالتها، ويؤكد أن غياب إجراءات فعالة لضمان السلامة العامة يزيد من احتمالات وقوع المزيد من الضحايا، ويعمق معاناة المجتمعات المحلية التي تعاني أصلاً من الفقر ونقص الخدمات الأساسية.
رغم مرور سنوات على تراجع العمليات العسكرية في بعض المناطق، لا يزال ملف الألغام ومخلفات الحرب في ذيل أولويات الأطراف المسيطرة، ويشير ناشطون إنسانيون إلى أن عمليات المسح وإزالة الألغام تتم بشكل محدود ومتقطع، وغالباً ما تعتمد على جهود محلية أو دعم جزئي من منظمات دولية، دون وجود استراتيجية وطنية واضحة وشاملة.
تكلفة إنسانية تتجاوز الأرقام
لا تقتصر آثار الألغام ومخلفات الحرب على الخسائر البشرية المباشرة، بل تمتد إلى آثار نفسية واجتماعية عميقة، فالأطفال الذين ينجون من الانفجارات قد يواجهون إعاقات دائمة أو صدمات نفسية، في حين تعيش عائلات الضحايا حالة مستمرة من الخوف والقلق، كما تؤدي هذه المخاطر إلى تعطيل النشاط الزراعي والاقتصادي في مناطق واسعة، ما يفاقم من أزمات المعيشة ويحد من فرص التعافي.
نداءات متكررة دون استجابة كافية
على مدار السنوات الماضية، أطلق المرصد السوري ومنظمات حقوقية وإنسانية أخرى نداءات متكررة تطالب بتكثيف جهود إزالة الألغام، وتوسيع برامج التوعية بمخاطر مخلفات الحرب، خاصة في المناطق التي عاد إليها النازحون مؤخراً، إلا أن هذه النداءات غالباً ما تصطدم بضعف التمويل وتعقيدات المشهد السياسي والأمني، ما يترك المدنيين في مواجهة الخطر وحدهم.
تعد سوريا من أكثر دول العالم تلوثاً بالألغام ومخلفات الحرب غير المتفجرة نتيجة سنوات طويلة من النزاع المسلح واستخدام واسع للأسلحة الثقيلة والمتفجرات، وتنتشر هذه المخلفات في المناطق السكنية والريفية على حد سواء، ومنها الأراضي الزراعية والطرقات ومحيط المدارس والمنازل، ووفقاً لتقارير أممية سابقة، فإن إزالة هذه المخاطر تتطلب سنوات طويلة واستثمارات مالية وتقنية كبيرة، إلى جانب تعاون فعلي من جميع الأطراف المسيطرة على الأرض، وفي ظل استمرار غياب الحلول الشاملة، يبقى المدنيون السوريون، وخصوصاً الأطفال، الحلقة الأضعف في مواجهة خطر لا يزال يحصد الأرواح بصمت.











