"سراب نيلوفر".. بحيرة الحياة التي تحوّلت إلى صحراء صامتة في إيران
"سراب نيلوفر".. بحيرة الحياة التي تحوّلت إلى صحراء صامتة في إيران
تحوّلت بحيرة سراب نيلوفر، التي كانت تُعد من أبرز المعالم الطبيعية في مدينة كرماشان بشرق كردستان، إلى صحراء قاحلة بعد أن جفّت بالكامل، في مشهدٍ يجسد انهياراً بيئياً متسارعاً يضرب إيران من أقصاها إلى أقصاها.
فحتى وقت قريب، كانت البحيرة تُعرف بجمالها الآسر وزهورها المائية الصفراء التي كانت تزيّن سطحها، وتجذب الزوّار والطيور المهاجرة على حدّ سواء. لكن هذا المشهد البديع تلاشى تدريجياً خلال العقدين الماضيين، حتى أُعلن رسميًا في سبتمبر الماضي عن جفاف البحيرة بالكامل، بعد أن كانت رمزاً للحياة والتنوّع البيولوجي في المنطقة، بحسب ما ذكرت وكالة "JINHA"، اليوم الاثنين.
جسّد سراب نيلوفر لعقودٍ طويلة لوحة طبيعية فريدة من نوعها، حيث احتضنت مياهه مئات الأنواع من الطيور والنباتات والحشرات، وكان متنفساً بيئياً وسياحياً لأهالي كرماشان.
لكن هذه الجوهرة البيئية بدأت تفقد بريقها شيئاً فشيئاً. ويُرجع خبراء البيئة هذا التدهور إلى مزيجٍ من العوامل، على رأسها سوء إدارة الموارد المائية والتوسع الزراعي العشوائي، إضافة إلى الإهمال الحكومي الذي لم يضع الحفاظ على البيئة ضمن أولوياته.
ويقول ناشطون بيئيون محليون إن السلطات لم تتعامل مع سراب نيلوفر كتراث طبيعي يجب حمايته، بل تركته يواجه مصيره، حتى تحوّل اليوم إلى أرض متشققة تغمرها النفايات بدلاً من الماء والزنابق.
عوامل بشرية تتجاوز المناخ
رغم أن الحكومة الإيرانية برّرت الجفاف بانخفاض معدلات الأمطار وتغير المناخ، يرى السكان المحليون أن هذه التفسيرات "تخفي المسؤولية الحقيقية"، مشيرين إلى أن اليد البشرية لعبت الدور الأكبر في الكارثة.
ويؤكد الناشط البيئي الكردي شيرزاد محمود أن "الأزمة لم تكن مفاجئة، بل كانت متوقعة منذ سنوات، لأن عمليات السحب المفرط من المياه الجوفية والتوسع الزراعي غير المنظم دمّرا التوازن البيئي للمنطقة".
وأضاف أن الحكومة "لم تتدخل في الوقت المناسب، ولم تضع خططاً لإدارة الموارد الطبيعية أو لمواجهة آثار التغير المناخي"، ما جعل سراب نيلوفر يفقد حياته تدريجياً حتى الموت الكامل.
بحيرة تتحول إلى مكبّ نفايات
تُظهر الصور الميدانية التي التُقطت مؤخراً للمنطقة، أن البحيرة التي كانت تُعرف سابقاً بـ"حديقة كرماشان المائية" لم تعد سوى مساحة جافة، تتناثر فيها أكوام النفايات والمخلّفات البلاستيكية.
وباتت المخاوف تتزايد من أن تتحوّل الأرض التي كانت يوماً موئلاً للزنابق والطيور إلى مكبّ مفتوح للنفايات، في ظل غياب أي خطة واضحة لإعادة تأهيلها أو منع التدهور البيئي المتواصل.
ويحذر سكان المنطقة من أن الجفاف لا يهدد سراب نيلوفر وحدها، بل يهدد أيضاً تالاب هشيلان وسراب ياوري، وهما من أبرز المسطحات المائية المجاورة، واللتان تعانيان حالياً من انخفاض حاد في منسوب المياه.
أزمة في سياسات إدارة البيئة
لا يمكن اختزال ما حدث في سراب نيلوفر في مسألة المناخ فقط، بل هو انعكاس واضح لأزمة هيكلية أعمق في سياسات إدارة البيئة في إيران.
فمنذ سنوات، يحذر الخبراء من أن النهج الحكومي القائم على الاستغلال المفرط للموارد الطبيعية دون تخطيط مستدام، يؤدي إلى تدمير ممنهج للمنظومات البيئية.
ويشير تقرير بيئي صادر عام 2024 إلى أن أكثر من 70% من الينابيع في إقليم كرماشان تعاني من مستويات جفاف خطيرة، فيما يتوقع الخبراء أن نصف البحيرات الإيرانية مهددة بالاختفاء خلال العقد المقبل إذا استمر الوضع على ما هو عليه.
من بحيرة إلى صحراء النسيان
تحوّلت الأرض التي كانت يوماً مغمورة بزنابق الماء والطيور المهاجرة إلى صحراء صامتة لا يمرّ عليها سوى الغبار وندى الصباح العابر.
فقدان سراب نيلوفر لا يُعدّ خسارة طبيعية فحسب، بل خسارة إنسانية وثقافية، لأن المكان كان جزءاً من ذاكرة المدينة وهويتها.
ويقول أحد أبناء كرماشان، ويدعى دارا أحمد: "كنا نأتي هنا منذ طفولتنا لنشاهد الزنابق والبط البري، اليوم لم يبقَ شيء.. حتى رائحة الماء اختفت".










