إدارة ترامب تتجه لإعفاءات جمركية لتخفيف الغلاء واحتواء الغضب الشعبي

إدارة ترامب تتجه لإعفاءات جمركية لتخفيف الغلاء واحتواء الغضب الشعبي
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب

تستعد إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإقرار إعفاءات جمركية واسعة على سلع غذائية أساسية، في خطوة تمثل تراجعاً واضحاً عن إحدى الدعائم الرئيسية لسياساته الاقتصادية، ويأتي هذا التحول وسط قلق شعبي متزايد من ارتفاع تكاليف المعيشة الذي أثقل كاهل ملايين الأسر الأمريكية ودفع الملف الاقتصادي إلى صدارة الجدل العام.

ونقلت صحيفة نيويورك تايمز، الجمعة، عن مصادر مطلعة أن الخطة المرتقبة ستشمل إعفاء لحوم الأبقار ومنتجات الحمضيات من الرسوم الجمركية التي فرضت في أبريل الماضي، وتشير المصادر إلى أن الإعفاءات ستمتد حتى للسلع القادمة من دول لا تربطها اتفاقيات تجارية مع واشنطن، وهو ما يتجاوز نطاق أمر تنفيذي سابق كان يقتصر على الدول الموقعة على اتفاقيات قائمة، ورغم تقدم الاستعدادات، تؤكد المصادر أن الرئيس لم يتخذ بعد القرار النهائي في تفاصيل الإعفاءات.

وتضيف المعلومات أن وزير التجارة هوارد لوتنيك كان من أبرز الداعمين لهذه الخطوة، مستشهداً بالارتفاع المتواصل في الأسعار وتأثيره الثقيل في المستهلكين، وكان أمر تنفيذي سابق قد كلف لوتنيك وممثل التجارة الأمريكي جيميسون غرير بدراسة إعفاءات لأكثر من ألف فئة من المنتجات منها معادن وأدوية وقطع طائرات ومنتجات زراعية متنوعة.

ضغط انتخابي يعيد رسم الأولويات

يتزامن هذا التوجه الجديد مع هزيمة انتخابية قاسية للجمهوريين في ولايتي فيرجينيا ونيوجيرسي وفي سباقات محورية في بنسلفانيا وجورجيا، حيث نجح الديمقراطيون في توظيف ملف غلاء المعيشة لصالحهم، وبعد ساعات من ظهور النتائج، أقر نائب الرئيس جيه دي فانس في تصريحات علنية بضرورة التركيز على الوضع الداخلي، قائلاً إن مستقبل الحزب يتوقف على قدرته في جعل الحياة الكريمة ممكنة لغالبية الأمريكيين.

وتراجعت معدلات رضا الرئيس ترامب خلال الأسابيع الأخيرة بسبب ارتفاع الأسعار رغم تأكيداته المتكررة بأن السوق يشهد انخفاضاً، وتناقض البيانات الحكومية هذه التصريحات، إذ تظهر أرقاماً رسمية ارتفاعاً كبيراً في أسعار المواد الغذائية منذ بداية العام، وقفزت أسعار القهوة وحدها بنسبة تقارب التاسعة عشرة في الفترة حتى سبتمبر، في حين هبط مؤشر ثقة المستهلك إلى مستويات غير مسبوقة.

وعود بخفض سريع للأسعار

وفي سياق محاولة وقف التراجع الشعبي، أكد وزير الخزانة سكوت بيسنت أن الإدارة ستعلن خلال أيام عن إعفاءات واسعة تستهدف منتجات لا تنتج محلياً مثل القهوة والموز وبعض الفواكه، مشيراً إلى أن الخطوة ستؤدي إلى خفض سريع للأسعار، كما أوضح مسؤول حكومي أن تراكم الاتفاقيات التجارية خلال الفترة الماضية منح واشنطن القدرة على المضي في هذه الإعفاءات دون إضعاف موقعها التفاوضي، مع توقع تأثير مباشر في أسعار القهوة والكاكاو والموز.

وأعلنت الإدارة الأمريكية إتمام أربع اتفاقيات جديدة مع الأرجنتين وجواتيمالا والسلفادور والإكوادور، ما يفتح أسواقاً جديدة أمام الصادرات الأمريكية ويوفر وصولاً أفضل إلى معادن حيوية، وتحدد هذه الاتفاقيات رسوماً جمركية تتراوح بين عشرة وخمسة عشر في المئة، مع إعفاءات كاملة لبعض السلع غير المنتجة محلياً، كما تشير المعطيات إلى تقدم في المفاوضات مع سويسرا لخفض الرسوم المرتفعة الحالية، إلى جانب خطوات ملموسة نحو اتفاقيات محتملة مع تايوان والهند.

خلافات داخلية وقلق

ورغم الزخم السياسي المحيط بالخطة، لا تحظى الإعفاءات بإجماع داخل الإدارة. إذ يخشى مسؤولون من إثارة غضب مربي الماشية والمزارعين الذين يشكلون قاعدة انتخابية أساسية لترامب، وبرز هذا التوتر مؤخراً مع احتجاج اتحادات الماشية على مقترح لزيادة استيراد اللحوم من الأرجنتين بهدف تهدئة الأسعار، معتبرين أن هذه الخطوة تتعارض مع شعار دعم الإنتاج المحلي الذي تبنته الإدارة منذ وصولها إلى السلطة.

وتطرح الصحيفة تساؤلات حول مدى انعكاس الإعفاءات المتوقعة على أسعار السلع، خاصة أن معظم المنتجات الزراعية المستوردة تأتي أصلاً من كندا والمكسيك اللتين تتمتعان بإعفاءات واسعة بموجب الاتفاقية التجارية الثلاثية، ما يثير مخاوف من أن تبدو الخطة بمثابة مكافأة لدول لم تتعاون سابقاً مع واشنطن في إبرام اتفاقيات تجارية.

شهدت سياسة الرسوم الجمركية الأمريكية خلال السنوات الأخيرة تحولات حادة، بين رفع واسع للرسوم في إطار شعار حماية الصناعة المحلية ثم تراجع جزئي تحت ضغط التضخم وارتفاع الأسعار، وقد كان ملف الغلاء من بين أهم العوامل التي أثرت في المزاج الانتخابي الأمريكي خلال العام الجاري، مع تسجيل ارتفاعات متواصلة في أسعار المواد الغذائية وبلوغ مستويات الثقة الاقتصادية أدنى درجاتها منذ أكثر من عقد.

وفي ظل هذا المشهد، تبدو الإعفاءات المرتقبة محاولة لاحتواء الاستياء الشعبي وتخفيف الضغوط الاقتصادية، لكنها تفتح في الوقت نفسه جدلاً واسعاً حول مستقبل سياسة ترامب التجارية وما إذا كانت ستستمر في مسار الانعطاف أم تعود إلى نهجها المتشدد السابق.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية