بانا العبد من طفلة تحت القصف إلى صوت عالمي للسلام

بانا العبد من طفلة تحت القصف إلى صوت عالمي للسلام
بانا العبد تحمل جائزة السلام الدولية للأطفال

منذ أن دوّى صوتها عبر تغريدات قصيرة خلال حصار حلب في سوريا عام 2016، لم تعد بانا العبد مجرد طفلة تحاول النجاة من الحرب، بل تحولت تدريجياً إلى رمز من رموز المقاومة المدنية وإلى شاهد صغير على كلفة الصراع على حياة الأطفال، واليوم، وبعد نحو عقد من تلك اللحظات التي غيرت شكل طفولتها، تقف الفتاة السورية البالغة ستة عشر عاماً على منصة عالمية لتتسلم جائزة السلام الدولية للأطفال لعام 2025 التي تمنحها مؤسسة كيدز رايتس الهولندية تقديراً لعملها في دعم الأطفال المتضررين من النزاعات.

تتويج يكرم طفلة صنعت فارقاً

جاء فوز بانا بالجائزة تتويجاً لمسار بدأ من تحت الأنقاض، فقد ظهرت للعالم للمرة الأولى وهي تنقل للعالم يوميات الحصار والقصف في مدينة حلب، بعبارات بسيطة لكنها مؤلمة، وحين خرجت مع عائلتها إلى تركيا بعد عمليات الإجلاء في ديسمبر 2016، لم تطوِ ذكرياتها المريرة، بل جعلت منها أساساً لعمل إنساني ركز على إعادة الأمل للأطفال في مناطق النزاعات وتجديد حقهم في التعليم والحياة وفق وكالة الصحافة الفرنسية.

وقالت مؤسسة كيدز رايتس إن الجائزة منحت لبانا تكريماً لدورها في لم شمل بعض العائلات المتفرقة، وإسهاماتها في إعادة فتح مدارس في بيئات نزاع، ودعمها للأطفال في غزة والسودان وأوكرانيا وسوريا، ويأتي اسمها اليوم إلى جانب شخصيات شابة بارزة سبق أن حصلت على الجائزة، ومنها غريتا تونبرغ وملالا يوسف زاي.

خطاب شجاع في قلب ستوكهولم

في قاعة بلدية العاصمة السويدية، وقفت الفتاة الصغيرة لتلقي خطاباً موجهاً إلى قادة دول وشخصيات تتحمل مسؤولية مباشرة أو غير مباشرة عن مسارات الحروب، وبصوت ثابت تحدثت بانا عن الألم الذي يحمله الأطفال حين يتحول العنف إلى سياسة، وحين يصبح القتل جزءاً من معادلة السلطة، وسألت علناً قادة دول أو أطراف نزاع منها بشار الأسد وبنيامين نتنياهو وفلاديمير بوتين وبعض قادة الحرب في السودان قائلة: كم طفلاً دفع حياته ثمناً للحروب والسياسات التي تتخذ من القوة والعنف أدوات للحكم والهيمنة؟ وأضافت أننا لن نصمت أمام من جعلوا من الدم وسيلة للحكم أو ممارسة النفوذ.

كانت كلماتها صدى لتجربة عايشتها في سنواتها الأولى. فحلب التي ولدت فيها تحمل في ذاكرتها جروحاً لم تندمل، وبانا التي خرجت منها طفلة محملة بالخوف، عادت إليها اليوم رمزاً لأطفال فقدوا مدارسهم وأمانهم وحتى عائلاتهم.

التعليم أولوية تتقدم كل شيء

وفي مقابلة أجرتها معها وكالة الصحافة الفرنسية قبل الاحتفالية، أكدت بانا أن التعليم هو المعركة الأولى التي يجب خوضها لمساعدة الأطفال على تجاوز آثار الحرب. وترى أن إعطاء الأطفال فرصة للدراسة حتى وسط النزاع ليس ترفاً، بل ضرورة لإنقاذ مستقبلهم ومنحهم معنى للحياة.

ومنذ وصولها إلى تركيا قبل نحو تسع سنوات، كرست الفتاة جانباً كبيراً من نشاطها لمتابعة أوضاع أطفال سوريا في المخيمات وزيارة العائلات التي فقدت أبناءها أو انفصلت عنها بفعل الحرب، وقد شاركت في مؤتمرات عدة حول العالم، وروت تجربتها المؤلمة في كتب ساعدت على لفت الأنظار إلى ما يواجهه الأطفال في أماكن النزاعات.

حلم العودة لإعادة البناء

ورغم أنها لم تعد إلى سوريا منذ خروجها منها، فإن فكرة العودة لا تفارقها، وكشفت أن جزءاً من عملها موجه نحو دعم مبادرات إعادة بناء المدارس المدمرة وتحسين أوضاع التعليم داخل البلاد، وتحدثت بحزن عن مدارس لا توجد فيها سبورات ولا مكاتب ولا كتب، بل أطفال يجلسون على الأرض في برد الشتاء يحاولون التعلم وسط انعدام أبسط مقومات البيئة التعليمية.

كما تعمل بانا على ملف إنساني بالغ الحساسية يتعلق بخمسة آلاف طفل سوري انفصلوا عن عائلاتهم خلال الحرب ولا يزال مصير كثير منهم مجهولاً. وترى أن جمع شملهم يمثل واجباً أخلاقياً يتطلب جهداً منظمّاً ودعماً دولياً أكبر.

إعجاب دولي بثباتها وشجاعتها

من جانبه، أشاد مؤسس منظمة كيدز رايتس مارك دولارت بشجاعة بانا العبد والتزامها العميق بالعدالة رغم كل ما مرت به. وقال إنها حولت قصتها الشخصية القاسية إلى قوة تدفع بها نحو التغيير، وإن صوتها تحول إلى وسيلة للتعبئة والدفاع عن حقوق الأطفال في أكثر المناطق هشاشة في العالم.

وأضاف أن بانا تمثل نموذجاً نادراً لقدرة الطفل على تحويل الألم إلى قوة إيجابية، وأن ما تقدمه اليوم يذهب أبعد من شهادتها على الحرب ليصبح إسهاماً فعلياً في بناء مستقبل أفضل لأطفال يعيشون في ظل تهديد دائم للعنف والحرمان.

انتصار لطفلة نجت من الحرب

ترى منظمات دولية تتابع تجربة بانا العبد أن فوزها بالجائزة ليس تكريماً شخصياً فقط، بل اعتراف بحجم المعاناة التي يواجهها ملايين الأطفال في مناطق النزاع، فقصتها، كما يقول المتابعون، ليست استثناءً بل انعكاس لمصير آلاف الأطفال السوريين الذين عاشوا الحصار والقصف وفقدوا منازلهم ومدارسهم وأصدقاءهم، وهي بوقوفها على منصات دولية تعيد تذكير العالم بأن الطفل الذي ينجو من الحرب لا يخرج منها سالماً تماماً، وأن إعادة بناء حياته تتطلب جهداً إعلامياً وإنسانياً وحقوقياً متواصلاً.

أنشئت جائزة السلام الدولية للأطفال عام 2005 على يد مؤسسة كيدز رايتس الهولندية بهدف تكريم الأطفال الذين يسهمون بشكل بارز في الدفاع عن حقوق أقرانهم حول العالم، وتعد الجائزة منصة دولية تحتفي بالمبادرات التي يقودها أطفال وشباب في مجالات حماية الحقوق والتعليم والأمن والسلام، وقد حصلت عليها شخصيات شبابية بارزة، منها ملالا يوسف زاي التي واصلت بعدها طريقها لتحصل على جائزة نوبل للسلام عام 2014، والناشطة البيئية السويدية غريتا تونبرغ التي قادت حركة عالمية لمكافحة تغير المناخ، وتمثل الجائزة اليوم أحد أبرز المنابر التي تعطي الأطفال مساحة للتأثير في النقاشات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان وحماية الفئات الأكثر هشاشة خلال الأزمات.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية