العنف الرقمي ضد النساء.. جبهة جديدة في معركة المساواة بين الجنسين
العنف الرقمي ضد النساء.. جبهة جديدة في معركة المساواة بين الجنسين
يفتح اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، الذي يحتفى به في 25 نوفمبر من كل عام، باباً واسعاً لإعادة قراءة واقع النساء في عصر تتحول فيه التكنولوجيا من وسيلة تمكين إلى منصة جديدة للعنف.
ويكشف هذا اليوم العالمي، الذي أطلقته الأمم المتحدة منذ سنوات، عن دخول البشرية مرحلة مختلفة من التهديدات الموجهة ضد النساء؛ مرحلة لا تحدث في الشارع أو داخل المنازل فقط، بل تمتد إلى الهواتف المحمولة والحسابات الرقمية والمنصات الافتراضية، حيث تتحول ضغطة زر إلى خطر يلاحق آلاف النساء يومياً، بحسب ما ذكرت وكالة أنباء المرأة، اليوم الخميس.
ويبرز هذا العام تركيز خاص على العنف الرقمي، في دلالة واضحة على أن العالم بات يقر بأن التمييز والانتهاكات لم تعد محصورة في الإطار المادي، بل انتقلت إلى الفضاء الافتراضي، لتتخذ أشكالاً غير مرئية تجعل مواجهتها أكثر تعقيداً وصعوبة.
اتساع ظاهرة العنف الرقمي
تكشف تحقيقات وبيانات حقوقية صورة صادمة لاتساع نطاق العنف الرقمي، إذ تفيد بأن أكثر من 70% من النساء الإيرانيات تعرضن لشكل من أشكال العنف الإلكتروني، بينما تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن 73% من النساء في العالم الرقمي واجهن تهديدات أو إساءات عبر الإنترنت.
وأوضحت وكالة أنباء المرأة أن هذه الأرقام ليست مجرد مؤشرات عابرة، بل تعكس حقيقة متجذرة ترتبط بالبنى الاجتماعية والثقافية التي تكرس التمييز ضد النساء، حتى داخل العالم الافتراضي.
ويكشف خبراء نفسيون أن العنف الرقمي لا يتوقف عند حدود التهديدات أو الإهانات، بل يتجاوزها ليؤثر بشكل مباشر على الصحة النفسية للنساء، فغياب الجهات الرقابية وصعوبة الوصول إلى المعتدين يمنح هؤلاء مساحة واسعة لاستخدام أساليب متنوعة من العنف، بدءاً من التحرش اللفظي ووصولاً إلى نشر الصور الخاصة من دون إذن.
وتؤكد الأخصائية النفسية والناشطة في كرماشان سودابه. ر، أن الواقع الرقمي يزيد خطورة العنف بشكل مضاعف، قائلة إن "العنف في الحياة الحقيقية يحدث في فضاء يمكن فيه الوصول إلى المعتدي وتتبع أثره، ومع ذلك لا يتردد كثيرون في ممارسته.
أما في العالم الرقمي، حيث تختفي الحدود وتغيب المتابعة، فإن الأمر يصبح أكثر تهديداً وخطورة.
وتشير إلى أن إيران تحتل مراتب عالمية متقدمة في نسب العنف ضد النساء، وأن امتداد هذا العنف إلى الفضاء الرقمي يجعل المواجهة أكثر تعقيداً.
تجارب شخصية تكشف الأزمة
تروي الناجية ندا. ك كيف تحولت صورها الشخصية إلى أداة تهديد سيطر بها زوجها السابق على حياتها.
وتقول إن زوجها كان يحتفظ بصور خاصة لها، ثم بدأ بمتابعتها بحساب مجهول على "إنستغرام"، ليظهر صوراً لجسدها دون وجهها أمام مئات المتابعين، قبل أن يهددها بنشر الصور كاملة إذا طالبت بحقوقها الشرعية، موضحة أن تهديده وصل إلى حد نشر عنوان منزلها ورقم هاتفها.
وتعكس هذه القصة واحداً من أخطر أشكال العنف الرقمي، حيث يجري استغلال مفهوم "السمعة" للضغط على النساء، مما يدفع ضحايا كثيرات إلى السكوت خوفاً من التشهير، أو قبول مطالب تمييزية وغير قانونية لتجنب الأذية الاجتماعية.
فضاء للتحرش الخفي
تشير الشابة ميترا. د من كرماشان إلى شكل آخر من العنف الرقمي، إذ تتلقى باستمرار رسائل تحمل محتوى جنسياً أو دعوات لمحادثات ذات طابع جنسي.
وتقول إن بعض المعتدين "يبدأون بمدحها أو مدح أنفسهم"، بينما يرسل آخرون صورهم الخاصة بشكل مباشر، مرفقين رسائل تحمل إيحاءات جنسية أو تهديدات ضمنية.
وتوضح أن هجمات التحرش هذه تحدث غالباً في أوقات عادية، من حسابات مجهولة، مما يجعل اكتشاف صاحب الرسالة أمراً شبه مستحيل، كما أن كثيراً من النساء يخشين التعبير عن استيائهن خوفاً من التهديد أو من نظرة المجتمع.
وتسرد الناجية نسترن. ا تجربة أكثر خطورة، إذ تلقت رسالة عبر "تلغرام" من حساب مجهول يزعم امتلاكه صوراً شخصية لها. وتقول إنها فتحت الرابط بدافع الخوف، ليتمكن الشخص من اختراق هاتفها والوصول إلى ملفاتها وصورها الخاصة.
وبعدها بدأ بابتزازها، مطالباً بمبالغ مالية تحت التهديد بنشر صورها، ما اضطرها لإرسال المال والانسحاب من كل منصات التواصل الاجتماعي.
ويعكس هذا النوع من الاعتداءات فجوة كبيرة في حماية النساء، خاصة مع غياب قوانين واضحة للعنف الرقمي، ما يجعل الضحايا عالقات بين الخوف من التشهير والافتقار إلى القدرة على المواجهة القانونية.
النظام الأبوي ينتقل للإنترنت
يكشف تحليل أوسع للخبراء أن النظام الأبوي، الذي يفرض قيوداً اجتماعية صارمة على النساء في الحياة اليومية، انتقل بشكل طبيعي إلى الفضاء الرقمي.
وتوضح التقارير الحقوقية أن الأدوات تغيرت فقط، بينما بقيت العقلية نفسها: عقلية السيطرة، التهديد، العنف، وتقييد حرية النساء.
ويظهر هذا بوضوح في سلوكيات المعتدين الذين يستخدمون التكنولوجيا لتعزيز سلطتهم، سواء عبر التهديد بنشر الصور، أو عبر مراقبة حسابات النساء، أو عبر استغلال الخوف من الوصمة.
وتؤكد منظمات حقوقية أن العنف الرقمي ليس سوى امتداد للعنف الأسري والمجتمعي، لكنه يكتسب في العصر الرقمي طابعاً أكثر انتشاراً وقوة بسبب مجهولية الفاعلين.
النساء بين الخوف والعزلة
يُظهر رصد حالات عديدة أن العنف الرقمي لا يتوقف عند حدود الانتهاك المباشر، بل يترك آثاراً بعيدة المدى. إذ تعاني النساء من القلق المستمر، تراجع الثقة بالنفس، الخوف من الانخراط في الفضاء العام، إضافة إلى احتمالات العزلة الاجتماعية.
وتشير ناشطات نسويات إلى أن بعض النساء يتعرضن لانهيارات نفسية أو يعانين من أعراض صدمة ما بعد الاعتداء الرقمي، خاصة عندما يتعلق الأمر بابتزاز باستخدام صور خاصة أو معلومات حساسة.
ويطالب خبراء قانونيون بإقرار قوانين خاصة بالعنف الرقمي، تشمل حماية البيانات الشخصية، عقوبات واضحة للابتزاز، وآليات سريعة للإبلاغ عن الحسابات المجهولة.
وتدعو منظمات حقوقية الحكومات إلى التعامل مع العنف الرقمي باعتباره امتداداً للعنف القائم على النوع الاجتماعي، وليس مجرد "سلوك إلكتروني".










