وسط انتقادات حقوقية ودولية.. ملف التآمر يعيد الجدل في تونس بعد أحكام بحق معارضين ونشطاء

وسط انتقادات حقوقية ودولية.. ملف التآمر يعيد الجدل في تونس بعد أحكام بحق معارضين ونشطاء
محكمة الاستئناف التونسية

شهدت تونس واحدة من أكثر القضايا القضائية إثارة للجدل في السنوات الأخيرة، بعد أن أصدرت محكمة الاستئناف أحكاما بالسجن وصلت إلى 45 سنة بحق عدد من المعارضين والناشطين السياسيين، في إطار ما يعرف بقضية التآمر على أمن الدولة، وأصبحت هذه القضية التي يمثل فيها نحو أربعين شخصا، من سياسيين ومحامين ورجال أعمال وناشطين، نقطة اشتعال جديدة في النقاش العام التونسي، بين من يرى فيها خطوة لحماية الدولة ومن يعتبرها وسيلة لقمع المعارضة وتصفية الأصوات المخالفة.

اتهامات سياسية وتنديد حقوقي 

 وفق تقرير نشرته وكالة الصحافة الفرنسية الجمعة لم تتوقف الانتقادات الحقوقية والدولية، منذ انطلاق القضية قبل أكثر من عامين، فالأمم المتحدة ومنظمات عدة وصفت المحاكمة بأنها مدفوعة باعتبارات سياسية، فيما أكدت منظمات حقوقية دولية أن التهم الموجهة إلى المتهمين تفتقر إلى الأسس القانونية الكافية، وبينما تصر السلطات على أن الملف يتعلق بتهديدات خطيرة لأمن الدولة، يرى محامون ومعارضون أن الإجراءات شابها العديد من الإخلالات، وأن الهدف منها إقصاء شخصيات نافذة في المشهد السياسي والمدني.

شملت القضية عددا من أبرز رموز المعارضة في تونس، من بينهم رجل الأعمال المعروف كمال لطيف، ورئيس جبهة الإنقاذ الوطني جوهر بن مبارك، والقياديان عصام الشابي وغازي الشواشي، إضافة إلى السياسيين خيام تركي ورضا بلحاج، كما طالت الاتهامات آخرين منخرطين في العمل السياسي أو المدني، إضافة إلى شخصيات كانت موقوفة وأخرى حوكمت وهي في حالة سراح.

تفاوت في الأحكام وانتقادات للإجراءات

أظهرت الأحكام القضائية الصادرة في تونس تفاوتا كبيرا بين المتهمين، فقد تراوحت مدد السجن بين 10 و40 سنة، بينما حصل بعض الذين كانوا خارج السجن على أحكام أقل بلغت 35 عاما، وتمت تبرئة عدد محدود منهم، أما المتهم الذي برأته المحكمة من بين الموقوفين فقد خرج من القضية بعد أكثر من عامين من المتابعة القضائية.

تعود بداية موجة الغضب الحقوقي إلى المحاكمة الابتدائية التي عُقدت في أبريل الماضي، حيث صدر آنذاك حكم قاس وصل إلى 66 سنة سجنا بحق بعض المتهمين، وقد تمت تلك الجلسات الثلاث دون منح محامي الدفاع فرصة كافية لعرض مرافعاتهم، وهو ما دفع منظمات عدة إلى وصف ما جرى بأنه محاكمة لا تتوفر فيها الضمانات الدنيا للعدالة، وفي الاستئناف، وعلى الرغم من تخفيض بعض الأحكام، فإن الانتقادات لم تتوقف بسبب استمرار اعتماد آليات المحاكمة عن بعد وغياب التفاعل المباشر بين القضاة والمتهمين.

وزادت خطورة الموقف بعد كشف عائلة جوهر بن مبارك عن دخوله في إضراب مفتوح عن الطعام لأكثر من شهر احتجاجا على استمرار احتجازه، وأن وضعه الصحي أصبح مقلقا للغاية، وقد عبّرت شقيقته عن خشيتها من أن يؤدي تدهور وضعه إلى نتائج كارثية، مؤكدة أنه لم يطالب سوى بضمان حقه في الدفاع عن نفسه مباشرة أمام المحكمة وليس خلف شاشة اتصال مرئي.

تبرئة عدد من المتهمين

رغم تشدد الأحكام في بعض الملفات، فقد خرج عدد من المتهمين بقرارات بالبراءة، من بينهم المدير العام لإذاعة محلية بارزة، وذلك بعد مراجعة ملفه في الاستئناف، غير أن هذه البراءات المحدودة لم تُقلل من حدة الانتقادات التي ترى أن القضية تشوبها انتقائية في الاستهداف.

وتزايدت المخاوف حول استقلال القضاء منذ القرارات السياسية واسعة النطاق التي اتخذها الرئيس التونسي في صيف عام 2021، والتي منحت السلطة التنفيذية نفوذا كبيرا على المؤسسات الدستورية، وقد اعتبرت منظمات حقوقية أن ما جرى منذ ذلك التاريخ يشير إلى تراجع واضح في معايير حرية التعبير، وأن عشرات الصحفيين والمحامين والمعارضين وجدوا أنفسهم في مواجهة اتهامات ثقيلة مثل التآمر أو نشر معلومات تعتبرها السلطات مضللة.

ردود فعل دولية

أثارت الأحكام الأخيرة ردود فعل أوروبية قوية، إذ دعا البرلمان الأوروبي إلى الإفراج عن جميع معتقلي الرأي ومن بينهم السجناء السياسيون والمدافعون عن حقوق الإنسان، وردت رئاسة الجمهورية بنشر مقطع مصور يعبر فيه الرئيس عن رفض أي تدخل خارجي في الشأن القضائي، مؤكدا أن الدولة لا تخضع لضغوط وأن القضاء يمارس مهامه وفق القانون.

غياب الثقة وقلق داخل المجتمع المدني

يعيش المجتمع المدني التونسي حالة من القلق العميق، إذ تُعد قضية التآمر حلقة جديدة في سلسلة من الإجراءات التي يعتبرها نشطاء تضييقا ممنهجا على الحرية السياسية، كما يخشى كثيرون أن تؤدي هذه المحاكمات إلى تغييب أصوات المعارضة المنظمة، ما يهدد التعددية السياسية في بلد كان يُقدم لعقد كامل كنموذج ناجح للانتقال الديمقراطي.

بدأت قضية التآمر ضد الدولة في ربيع عام 2023 بعد حملة توقيفات واسعة طالت شخصيات سياسية بارزة وناشطين وصحفيين، وتستند التهم إلى اتهامات تتعلق بالتواصل مع أطراف أجنبية والتهديد لأمن الدولة، وهي تهم سبق أن وُجهت في ملفات أخرى عقب القرارات التي اتخذها الرئيس التونسي في صيف 2021 والتي أعادت صياغة المشهد الدستوري عبر حل البرلمان وإعادة تشكيل مؤسسات القضاء، وعلى مدى السنوات الأخيرة، أعربت منظمات محلية ودولية عن قلقها من تراجع ضمانات المحاكمة العادلة وإحالة متهمين إلى القضاء اعتمادا على قوانين تُصنف بأنها فضفاضة أو قابلة للتأويل الواسع، إضافة إلى استخدام المحاكمة عن بعد وتقليص قدرة الدفاع على الوصول إلى الملفات أو التواصل مع موكليهم. هذا المناخ المتوتر جعل قضية التآمر رمزًا لتغير عميق في علاقة الدولة بالمعارضة وحرية التعبير في تونس.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية