مطالب بمعايير عادلة.. التمييز بين موظفي الحكومة السورية يفاقم الفقر والاحتقان

مطالب بمعايير عادلة.. التمييز بين موظفي الحكومة السورية يفاقم الفقر والاحتقان
سوريا

تشهد المؤسسات الحكومية في مناطق الحكومة الانتقالية السورية أزمة هيكلية تتمثل في تباين حاد وواضح في رواتب الموظفين، ما يعكس فجوة اجتماعية واقتصادية كبيرة بين فئات العاملين.

ويشير المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى اعتماد النظام الجديد على تصنيف موظفي المؤسسات الحكومية ضمن فئتين أساسيتين؛ الأولى تشمل موظفين قدامى من حكومة الإنقاذ وأشخاصاً جرى تعيينهم عبر التزكية، والفئة الثانية تضم موظفين قدامى من المؤسسات التابعة للنظام السابق، بالإضافة إلى موظفين جدد تم تعيينهم وفق الكفاءة.

فجوة مالية وأبعاد اجتماعية

يُظهر تقرير نشره المركز السوري لحقوق الإنسان، اليوم الاثنين، هذا التباين في جميع القطاعات، من التربية والتعليم إلى الإعلام والقطاع الإداري، ويطول جميع المحافظات التي تقع تحت سلطة الحكومة الانتقالية في سوريا.

ويترتب على ذلك فجوة كبيرة بين الفئتين، يصاحبها منح حوافز وامتيازات إضافية للموظفين المنتمين للفئة الأولى، تشمل تخصيص سيارات ومساكن وغيرها من المزايا، ما يضاعف من التفاوت المالي بين الفئتين.

ويحصل موظفو الفئة الثانية على رواتب أقل بكثير رغم أداء مهام مماثلة، حيث يصل الفارق إلى أربعة أضعاف أو أكثر، ويشير المرصد إلى أن نحو 90 بالمئة من السوريين القادمين من مناطق النظام السابق أصبحوا اليوم تحت خط الفقر نتيجة هذا التمييز.

أمثلة عملية على التمييز

وفي مثال واضح، لا يتجاوز راتب مدير قديم في إحدى الصحف بمركز مدينة حلب 90 دولاراً شهرياً، بينما يتقاضى مدير جديد للوظيفة نفسها نحو 800 دولار، ويشمل هذا التمييز جميع المحافظات، مع الإشارة إلى استبدال معظم الإدارات القديمة في حلب، باستثناء مدير واحد، في خطوة رسمية تهدف إلى إظهار حسن النية، لكنها لم تؤدِ إلى معالجة التفاوت المالي والاجتماعي الذي يعانيه الموظفون القدامى.

أنتج هذا الواقع الراهن في سوريا حالة من الطبقية الواضحة داخل قطاع الإعلام، حيث يشعر الموظفون القدامى بالإقصاء والتهميش، ويتعرضون للإذلال أحياناً، وقد أكد موظفون من الفئة الثانية أنهم يُعاملون كمورد للخبرة العملية فقط، دون أن يُمنحوا حقوقهم كاملة أو يُحترم دورهم في المؤسسات.

كما يتعرض هؤلاء الموظفون لإقصاء متعمد من قبل وزارة الإعلام عند زيارة وسائل إعلام خاصة أو أجنبية، إذ يتم استبعادهم فور التثبت من أماكن سكنهم السابقة، ما خلق بيئة عمل مرتبكة ومشحونة بالضبابية وعدم الاستقرار.

وفي هذا السياق، طالب العاملون في الفئة الثانية الحكومة الانتقالية بوضع معايير واضحة وعادلة تمنح جميع الموظفين حقوقهم الأساسية، وتكفل المساواة في الرواتب والمزايا، وتحفظ كرامتهم في مكان العمل، ويؤكد العاملون أن اعتماد معايير عادلة وشفافة يمثل خطوة أساسية لمنع ترسيخ الطبقية داخل المؤسسات الحكومية، وإعادة التوازن إلى بيئة العمل، وضمان حقوق جميع الموظفين دون استثناء أو تحيّز سياسي.

أبعاد حقوقية وأخلاقية

يشكل التمييز المالي والوظيفي تحدياً كبيراً للعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان داخل المؤسسات الحكومية، ويؤدي إلى تهديد استقرار الموظفين وإضعاف الروح المعنوية لديهم، بما ينعكس سلباً على جودة الأداء العام، ويشير الخبراء إلى أن مثل هذه السياسات تخلق فجوة كبيرة بين الفئات الاجتماعية، وتؤثر على فرص التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ما يضع الحكومة الانتقالية أمام مسؤولية إصلاحية عاجلة لضمان المساواة ورفع مستوى معيشة الموظفين المتضررين داخل سوريا.

تُعد قضية الرواتب في المؤسسات الحكومية السورية أحد أبرز التحديات التي تواجه الحكومة الانتقالية، في ظل انتقال السلطة ودمج موظفين من خلفيات مختلفة، من النظام السابق وحكومة الإنقاذ، وتظهر الأرقام والدراسات الحقوقية أن الفجوة في الرواتب والمزايا بين الموظفين القدامى والجدد تؤدي إلى تفاقم الفقر في صفوف موظفي الفئة الثانية، خاصة أولئك القادمين من مناطق سيطرة النظام السابق.

وقد أوصى خبراء التنمية وحقوق الإنسان بضرورة اعتماد سياسات مالية وإدارية شفافة تراعي الكفاءة والقدرات المهنية دون أي اعتبار للانتماءات السياسية، إضافة إلى حماية حقوق الموظفين القدامى وتوفير بيئة عمل عادلة ومستقرة تضمن كرامة العاملين وحقهم في العيش الكريم، ويعتبر وضع معايير واضحة للرواتب والمزايا جزءاً أساسياً من جهود الحكومة الانتقالية لتعزيز الثقة بين الموظفين وتحقيق العدالة الاجتماعية، ويعكس التزامها بمبادئ حقوق الإنسان في قطاع العمل العام.

تطالب المؤسسات الأممية ومنظمات حقوق الإنسان الحكومة الانتقالية في سوريا باتخاذ خطوات عاجلة لتعزيز العدالة الاجتماعية وتحسين الوضع الاقتصادي للمواطنين والموظفين على حد سواء، وتشير هذه المطالب إلى ضرورة وضع سياسات مالية وإدارية شفافة تضمن توزيعاً عادلاً للرواتب والمزايا، وتقليص الفجوات بين مختلف الفئات العاملة داخل المؤسسات الحكومية، بما يعكس الكفاءة والقدرة العملية دون أي اعتبارات سياسية أو انتماءات سابقة، كما تؤكد الأمم المتحدة أهمية تبني برامج دعم اقتصادي واجتماعي للمتضررين، بما يشمل توفير المساعدات للفئات الأكثر ضعفاً، وتحسين فرص العمل، وتأمين بيئة عمل مستقرة تحمي حقوق الموظفين وتعزز كرامتهم. 

وترى المؤسسات الأممية أن معالجة التفاوتات الاقتصادية وتعزيز العدالة الاجتماعية يمثلان عنصرين أساسيين لتحقيق استقرار مستدام وبناء ثقة المواطنين في المؤسسات الحكومية، ويمثلان ركيزة لتحقيق التنمية الشاملة واحترام حقوق الإنسان في مرحلة الانتقال السياسي والاقتصادي الراهنة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية