أحمد الشابي.. معارض تونسي لم يهادن الزمن ولم يتخلَّ عن إيمانه بالكلمة

أحمد الشابي.. معارض تونسي لم يهادن الزمن ولم يتخلَّ عن إيمانه بالكلمة
المعارض التونسي أحمد نجيب الشابي

اعتقل في لحظة فارقة من تاريخ تونس، رجلٌ تجاوز الحادية والثمانين من عمره، لكنه لم يتخلَّ عن لغته السياسية الصلبة ولا عن إيمانه العميق بأن الكلمة ما زالت تملك قدرة على المقاومة

أحمد نجيب الشابي ليس مجرد اسم في قائمة المعتقلين السياسيين، بل هو سيرة تمتد على عقود من الصدام مع الاستبداد، ومن الإصرار على التمسك بفكرة الديمقراطية، مهما بدا ثمنها باهظًا أو مستحيلاً، بحسب ما ذكرت وكالة “فرانس برس”، اليوم الخميس.

نشأ الشابي في بيئة تونسية عايشت الاستعمار وما بعده، واختبر منذ شبابه المبكر معنى القمع السياسي والرقابة الأمنية. 

لم يكن طريقه إلى السياسة وليد لحظة غضب عابرة، بل نتيجة مسار طويل من التكوين القانوني والفكري، حيث تشرّب مبادئ الحرية والعدالة والمواطنة. 

منبر للدفاع عن المظلومين

اختار المحاماة سلاحًا أول، ثم تحولت قاعة المحكمة إلى منبر للدفاع عن المظلومين، وعن فكرة الدولة التي تحترم مواطنيها بدل أن تخشاهم.

يتقدّم اسمه في المشهد المعارض في زمن الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، حين كانت المعارضة تعني فقدان الوظيفة والحرية وربما الحياة الآمنة، ومع ذلك رفض أن يكون رجل الظل أو المعارض الصامت. 

ترأس الحزب الديمقراطي التقدمي، ورفع صوته في زمن كان الهمس فيه مغامرة خطرة. دفع ثمن ذلك مراقبة مستمرة ومضايقات وإقصاء سياسي، لكنه لم يتراجع.

ثقافة سياسية متجذرة

عاصر لحظة سقوط نظام بن علي عام 2011، فوجد نفسه فجأة مناضل الأمس في قلب لحظة تاريخية حلم بها طويلًا.. يتولى لفترة قصيرة منصبًا وزاريًا، ويُنتخب لاحقًا عضوًا في المجلس الوطني التأسيسي الذي صاغ الدستور الجديد. 

ورغم انهيار منظومة الاستبداد حينها، لم يكن بالنسبة له النصر كاملاً، لأن المعركة –كما كان يرى– لم تكن فقط ضد شخص أو نظام، بل ضد ثقافة سياسية متجذرة في الخوف والإقصاء.

يعود إلى صفوف المعارضة بعد 2021، مع قرارات الرئيس قيس سعيّد باحتكار السلطات، ليصبح أحد أبرز وجوه “جبهة الخلاص الوطني”، التكتل المعارض الأهم في البلاد. 

وفي تلك المرحلة، لم يكن صوته صوتاً سياسياً يبحث عن سلطة، بل صوت رجل مسن يرى حلم الثورة ينهار أمام عينيه، ويحاول أن يدق جرس الإنذار الأخير. كان يتحدث بهدوء، لكن بكلمات تحمل ثقل التجارب والمنفى والقمع وخيبات الأمل.

العزلة بدل المساومة

يظهر وجهه الإنساني في حديثه الأخير قبل اعتقاله، حين قال بهدوء موجع: “أنا ذاهب إلى السجن في هذا السن المتقدم مطمئناً لأن ضميري طاهر”، ليست هذه مجرد جملة، بل خلاصة عمر كامل من المواجهة، رجل في عمره كان يمكنه أن يختار الصمت والاعتزال، لكنه اختار السجن بدل التسوية، واختار العزلة بدل المساومة.

انهارت ابنته هيفاء الشابي وهي تؤكد خبر اعتقاله، لكنها في الوقت نفسه تعلن فخرها به، معتبرة أن “التاريخ سينصفه”، في هذه الجملة يتجلى البعد الإنساني الأعمق للقضية.. عائلة تفقد حريتها معه، وزوجة وابنة وأقرباء يدفعون ثمن موقف سياسي اعتبروه واجبًا أخلاقيًا وليس خيارًا حزبيًا.

تتابع منظمات حقوق الإنسان حالته بقلق بالغ، منظمة العفو الدولية ترى في اعتقاله تأكيدًا على “العزم المخيف لقمع المعارضة السلمية”، بينما تعتبر هيومن رايتس ووتش أن اعتقاله يعني فعليًا إغلاق آخر أبواب الأمل الديمقراطي في تونس؛ هذه ليست مجرد بيانات تضامن، بل شهادات دولية على أن الرجل لم يكن متهمًا جنائيًا بقدر ما كان رمزًا سياسيًا مطلوب إسكات صوته.

ذاكرة حيّة لمرحلة كاملة

يُختزل أحمد نجيب الشابي اليوم في صورة رجل مسن يُقتاد من منزله، لكن الحقيقة أوسع من الصورة.. هو ذاكرة حيّة لمرحلة كاملة من النضال التونسي، ومرآة تعكس تحوّل الحلم الديمقراطي إلى كابوس سلطوي جديد. 

اعتقاله لا يعني فقط تغييب جسده، بل محاولة محو مسار طويل من المقاومة المدنية السلمية.

أحمد نجيب الشابي، اليوم، ليس خلف القضبان فقط.. بل في ذاكرة تونس، وفي ضمير كل من ما زال يؤمن بأن الحرية لا تموت.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية