تحت وطأة النزوح والفقر.. ملايين اليمنيين بعدن في مواجهة الظلام والاحتياجات الأساسية

تحت وطأة النزوح والفقر.. ملايين اليمنيين بعدن في مواجهة الظلام والاحتياجات الأساسية
نازح يمني وطفله داخل إحدى الخيم بعدن

في عدن، تلك المدينة الساحلية الجنوبية باليمن التي كانت يوماً مركزاً تجارياً حيوياً، يستمر السكان في مواجهة واقع مأساوي بعد عشر سنوات من الحرب الأهلية، فالبنى التحتية المترهلة، والانقطاع اليومي للتيار الكهربائي، ونقص المياه والخدمات الأساسية، كلها عوامل جعلت الحياة اليومية صعبة للغاية، خصوصاً مع تدفق مئات آلاف النازحين إلى المدينة.

ظلام متكرر وانقطاع للكهرباء

تحت كشاف طوارئ في حي كريتر يحاول الموظف اليمني محمد إجراء اتصال هاتفي أو عبر الإنترنت بهاتفه المحمول، إلا أن الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي يحول جهوده إلى محاولات بلا جدوى، ويشير محمد (37 عاماً) إلى أن الانقطاع اليومي للكهرباء يستمر لساعات طويلة، ما يزيد صعوبة الحياة على السكان والنازحين معاً، وفق وكالة فرانس برس.

ويقول محمد إن عدن كانت تعاني منذ سنوات ضعف البنى التحتية قبل الحرب مع الحوثيين في اليمن، وأضاف: "النزوح فاقم الوضع سوءاً، النازحون قاسموا السكان المياه المحدودة وضغطوا على الكهرباء وشبكة الاتصالات".

في أحياء المدينة، تُرى مولدات كهرباء خاصة أمام المنازل وكشافات طوارئ مثبتة في كل مكان تقريباً، تُضاء حين يغمر الظلام الشوارع مساءً، كما تجوب سيارات نقل المياه الشوارع لملء خزانات البيوت، في مشهد يعكس صعوبة الحصول على أبسط مقومات الحياة.

في أكتوبر الماضي، شهدت المدينة انقطاعاً تاماً للكهرباء استمر خمسة أيام لثالث مرة في عام 2025 بسبب نفاد الوقود، وفي الشهر الماضي، تعهدت دولة الإمارات باستثمار مليار دولار لدعم إعادة إعمار قطاع الطاقة في اليمن، في خطوة وصفها محللون بالمهمة لتخفيف الأزمة الإنسانية المتفاقمة.

نزوح هائل وضغط على الخدمات

منذ اندلاع النزاع باليمن في 2014 مع تقدم المتمردين الحوثيين، نزح مئات الآلاف داخلياً رغم الهدنة التي بدأت في أبريل 2022 بين الحوثيين والحكومة المعترف بها، إلا أن المواطنين لم يشعروا بأي تحسن ملموس في حياتهم اليومية.

ويشير وزير الشؤون الاجتماعية والعمل محمد سعيد الزعوري إلى أن عدن تستضيف أكثر من 755 ألف نازح مسجل، بالإضافة إلى عدد كبير غير مسجل، بينهم آلاف اللاجئين الأفارقة الذين يستخدمون اليمن محطة عبور نحو دول الخليج، ويقدر عدد سكان المدينة حالياً بنحو 3,5 مليون نسمة مقابل 1,5 مليون قبل نحو 20 عاماً، وهو ما يخلق اكتظاظاً شديداً ويضغط على الخدمات الأساسية.

معيشة صعبة وإيجارات باهظة

يعاني السكان من ارتفاع كبير في إيجارات المنازل، إذ يتجاوز بدل الإيجار الشهري قيمة دخل كثيرين. يقول محمد إن دخله البالغ 130 ألف ريال يمني أي نحو 80 دولاراً لا يكفي لإيجار منزل، حيث يبدأ الإيجار من 170 ألف ريال أي نحو 106 دولارات شهرياً، ما اضطره لتأجيل زواجه.

آلاف النازحين يعيشون في مخيمات على أطراف المدينة، بينهم المدرّس عبدالرحمن محيي الدين الذي نزح رفقة أطفاله الثمانية من الحديدة، يقيم الآن في خيمة من قماش في مخيم السلام في دار سعد تفتقر للمياه والكهرباء والأسرّة الأساسية، ويقول محيي الدين: "عدن كلها تعاني من انقطاع المياه، لا يوجد لدينا ماء، نمشي مسافة كيلومترين لنملأ الماء، الأطفال تعبوا جداً"، ويضيف: "لا ملابس ثقيلة، ولا تعليم، مع قلة في المواد الغذائية".

فشل الخدمات وانهيار وشيك

على طول الطريق إلى المخيم الواقع بين عدن ولحج، تظهر المباني المدّمرة شاهدة على المعارك الضارية بين المتمردين الحوثيين وقوات المقاومة المحلية المدعومة جواً من التحالف، وينتشر رجال الأمن المسلحون في نقاط مراقبة في أرجاء المدينة، لكن الوضع العام يشير إلى انهيار خدماتي متكامل.

يقول الباحث فارع المسلمي المتخصص في شؤون اليمن والخليج لدى معهد تشاتام هاوس في لندن: "الانهيار في عدن مجرد مسألة وقت، ليس فشلاً عسكرياً، بل فشل في الخدمات والأمن والصحة والإدارة"، ويشير إلى أن المدينة تغرق في المجاري وانقطاع الكهرباء، إضافة إلى سوء الإدارة والفوضى المستمرة.

حتى الحيوانات لا تسلم من الأزمة. أمام مدخل فندق كورال عدن الذي يقيم فيه الدبلوماسيون وتُعقد فيه اللقاءات السياسية يظهر كلب بوليسي نحيل منهك لا يقوى على النباح، يقول أحد الحراس إن الكلب يحتاج إلى كيلوغرامين من اللحم يومياً، لكن لا توجد ميزانية لذلك. ويضيف: "هو منهك مثلنا، يشاركنا الفقر وبقايا طعامنا".

تواجه عدن المدينة التي كانت مزدهرة اقتصادياً أزمة إنسانية حادة بعد عشر سنوات من النزاع؛ إذ يعاني السكان من نقص المياه والكهرباء والخدمات الصحية والتعليمية، وارتفاع أسعار الإيجارات، بالإضافة إلى اكتظاظ النازحين. ووفق الأمم المتحدة، يحتاج نحو 19,5 مليون شخص في اليمن إلى مساعدات إنسانية في 2025، بينهم 4,8 مليون نازح داخلي، وقد أدى النزاع الطويل إلى تراجع الاقتصاد المحلي، وانخفاض قيمة العملة، وتوقف صادرات النفط، وزيادة القيود على التمويل الدولي، ما أثر مباشرة في قدرة السكان على تلبية احتياجاتهم الأساسية، وتشكل البنية التحتية المتهالكة والحياة في المخيمات تحدياً مستمراً للأسر، في حين تبقى جهود إعادة الإعمار محدودة ومرتبطة بالتمويل الخارجي والدعم الإقليمي.

عدن بعد عشر سنوات من الحرب لا تزال تعاني تحت وطأة الأزمات الإنسانية، حيث يواجه ملايين اليمنيين نقص المياه والكهرباء والخدمات، وارتفاع أسعار المعيشة، وغياب الأمن والاستقرار الإداري، ويتحمل الأطفال والنازحون العبء الأكبر. وفي ظل خطر مستمر من الأمراض والفقر المدقع والظروف المعيشية الصعبة تبقى جهود المجتمع الدولي والإقليمي ضرورية لضمان حياة كريمة للسكان، وإعادة بناء البنى التحتية، وتوفير خدمات أساسية لإنقاذ حياة الملايين، ومنح الأطفال فرصة لمستقبل أفضل.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية