بين اللجوء والعودة القسرية.. السوريون في ألمانيا أمام اختبار الحقوق والحماية

بين اللجوء والعودة القسرية.. السوريون في ألمانيا أمام اختبار الحقوق والحماية
لاجئون سوريون في ألمانيا - أرشيف

على مدى أربعة عشر عاماً، شكّلت ألمانيا ملاذاً آمناً لمئات آلاف السوريين الذين فرّوا من ويلات الحرب، واضطلعت بدور محوري في استقبالهم وتوفير الحماية الدولية لهم، في واحدة من أكبر موجات اللجوء التي شهدتها أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. 

غير أن هذا المشهد الإنساني يشهد اليوم تحوّلاً مقلقاً، مع تصاعد الدعوات السياسية لإعادة السوريين إلى بلادهم، في سياق يعيد إلى الذاكرة تجارب تاريخية مثيرة للجدل تتعلق بالتعامل مع المهاجرين واللاجئين، بحسب ما ذكرت شبكة "روسيا اليوم"، السبت.

وأثار إعلان المستشار الألماني فريدريش ميرتس عن خطط لترحيل اللاجئين السوريين “في المستقبل القريب”، إلى جانب دعوته إلى العودة الطوعية، موجة من القلق في أوساط الجاليات السورية والمنظمات الحقوقية. 

هذه التصريحات، الصادرة عن أعلى هرم السلطة التنفيذية، لا تُقرأ فقط كإجراء إداري، بل كتحوّل في فلسفة الحماية التي التزمت بها ألمانيا منذ عام 2011، حين اعترفت بخطورة الوضع في سوريا واعتبرته مبرراً للحماية الدولية.

ويرى مراقبون أن هذا التوجه يهدد مبدأ عدم الإعادة القسرية، وهو حجر الأساس في القانون الدولي للاجئين، خاصة في ظل استمرار الأزمة الإنسانية والأمنية في سوريا، وغياب الضمانات الكفيلة بحماية العائدين من الانتهاكات أو الاضطهاد.

العنصرية وكراهية الإسلام

تلفت تحليلات أكاديمية، من بينها ما كتبته الباحثة ميشيل لين كاهن، إلى أن هذه السياسات لا يمكن فهمها فقط في إطار صعود اليمين المتطرف، بل يجب النظر إليها ضمن سياق أعمق من العنصرية البنيوية وكراهية الإسلام، التي رافقت السياسة الألمانية لعقود. 

وتشير كاهن إلى أن هذه النزعات لم تكن يوماً حكراً على الأحزاب المتطرفة، بل تسللت إلى قلب التيار السياسي السائد.

وتستحضر الكاتبة تجربة الثمانينيات، حين استُهدف المهاجرون الأتراك، وغالبيتهم من المسلمين، بسياسات هدفت إلى تقليص وجودهم في ألمانيا الغربية. آنذاك، رُوّج لخطاب يعتبر الإسلام غير منسجم مع “القيم الأوروبية”، وهو خطاب يتكرر اليوم بصورة شبه حرفية في النقاشات المتعلقة باللاجئين السوريين.

القيود القانونية والأخلاقية

في مواجهة القيود القانونية والأخلاقية التي حالت دون الترحيل القسري في الثمانينيات، لجأت الحكومة الألمانية آنذاك إلى سياسة “العودة الطوعية”، عبر تقديم حوافز مالية دفعت عشرات الآلاف من الأتراك إلى مغادرة البلاد. 

ورغم توصيفها بالـ”طوعية”، إلا أن كثيرين عدّوها شكلاً من أشكال الإكراه غير المباشر، في ظل مناخ عدائي وانعدام الأمان الاجتماعي.

اليوم، يُعاد طرح النموذج نفسه تقريباً مع السوريين، غير أن السياق الإنساني أكثر هشاشة. فالأزمة السورية لم تنتهِ، والبنية التحتية مدمّرة، والاقتصاد منهار، والانتهاكات الحقوقية موثقة على نطاق واسع. 

وفي هذا الإطار، تبدو العودة “الطوعية” خياراً محفوفاً بالمخاطر، لا يعكس إرادة حرة بقدر ما يعكس ضغوطاً سياسية واجتماعية متصاعدة في بلدان اللجوء.

هشاشة الطرح السياسي

تُظهر المعطيات أن الدعوات إلى العودة لا تجد صدى واسعاً بين اللاجئين السوريين. فمنذ انهيار نظام بشار الأسد، عاد نحو 1300 سوري فقط طوعاً من ألمانيا، وهو رقم ضئيل للغاية مقارنة بعدد السوريين المقيمين في البلاد. 

وتعكس هذه الأرقام فجوة واضحة بين الخطاب السياسي والواقع الإنساني، وتؤكد أن غالبية اللاجئين لا يرون في العودة خياراً آمناً أو قابلاً للحياة.

وتضع هذه التطورات ألمانيا أمام اختبار أخلاقي وقانوني حاسم. فالدولة التي سعت، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، إلى ترسيخ صورتها كديمقراطية ليبرالية تحترم حقوق الإنسان، تجد نفسها اليوم أمام سياسات قد تقوّض هذا الإرث، وتفتح الباب أمام ممارسات تمييزية بحق فئة عانت أصلاً من الحرب والنزوح.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية