هجوم ترامب على إلهان عمر.. كيف يتحوّل الخطاب العنصري إلى سياسة دولة؟

هجوم ترامب على إلهان عمر.. كيف يتحوّل الخطاب العنصري إلى سياسة دولة؟
النائبة الديمقراطية عن ولاية مينيسوتا، إلهان عمر

تكشف تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأخيرة بحق النائبة الديمقراطية عن ولاية مينيسوتا، إلهان عمر، وبحق الجالية الصومالية، عن تحوّل خطير في الخطاب السياسي الأمريكي، من جدل حول الهجرة والاقتصاد إلى مشروع إقصائي يقوم على العرق والدين، ويهدد منظومة الحقوق الأساسية داخل الولايات المتحدة، وفق ما عرضته صحيفة "الغارديان" في مقال رأي بعنوان "التطهير العرقي للولايات المتحدة سيدمرها"، بقلم الكاتبة هبة جويد.

تحوّل تجمع انتخابي في ولاية بنسلفانيا، عُقد في 9 ديسمبر، تحت عنوان القدرة على تحمل تكاليف المعيشة، إلى منصة لخطاب عنصري صريح، عندما قال الرئيس دونالد ترامب مخاطبًا الحشد: "نحن لا نقبل إلا الناس من دول بائسة.. لماذا لا نقبل بعض الناس من النرويج، السويد، ولو قلة قليلة؟.. من الدنمارك.. هل تمانعون في إرسال بعض الناس إلينا؟ أرسلوا لنا بعض الناس الطيبين.. لكننا دائماً نقبل الناس من الصومال، أماكن كارثية، أليس كذلك؟ أماكن قذرة، وكريهة، ومقززة، وتعج بالجريمة"، بحسب ما أوردته الغارديان.

واصل الرئيس الأمريكي خطابه باستهداف مباشر للنائبة الديمقراطية إلهان عمر، واصفًا حجابها بـ"عمامة صغيرة"، قبل أن يقول: "يجب أن ترحل.. اطردوها من هنا"، في حين هتف أنصاره: "أعيدوها إلى بلدها"، رغم كونها مواطنة أمريكية منذ عام 2000، وعضوًا منتخبًا في الكونغرس.

رؤية دولة بيضاء

توضح صحيفة "الغارديان" أن هذه التصريحات، رغم مخالفتها للحقائق، تعكس حقيقة واحدة: رؤية إدارة ترامب للولايات المتحدة بوصفها "أمة مسيحية بيضاء"، تسعى إلى استبعاد كل من لا ينسجم مع هذا التصور، عبر ما تصفه الكاتبة بـ"التطهير العرقي".

وتشرح جويد أن ترامب وأتباعه لم يكتفوا بالخطاب، بل استخدموا مصطلحات مثل "الهجرة العكسية"، وطرحوا فكرة إنشاء "مكتب لإعادة الهجرة"، وهي أفكار مستوحاة، بحسب المقال، من دعاة تفوق العرق الأبيض في أوروبا، وتنظر إلى المهاجرين باعتبارهم تهديدًا جوهريًا لهوية دول يُراد لها أن تبقى "بيضاء".

تربط الصحيفة بين هذه الرؤية والسياسات، مؤكدة أن الولايات المتحدة نفسها فرضت، خلال معظم القرن الماضي، قيودًا قانونية جعلت الهجرة مقتصرة على الأوروبيين البيض، ولم تُلغَ الحصص العرقية إلا بعد نضالات السود وحركة الحقوق المدنية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي.

وتؤكد "الغارديان" أن مسألة الترحيب بالمهاجرين أو إقصائهم ظلت آلية مركزية لتحديد من "ينتمي" إلى الأمة الأمريكية في سياق دولة استعمارية استيطانية، وأن ما يجري اليوم يعيد فتح هذا الملف من زاوية أكثر حدة.

إغلاق المسارات القانونية

توضح الصحيفة البريطانية أن إدارة ترامب شرعت في إغلاق مسارات الهجرة التي تتيح للأفراد دخول الولايات المتحدة والحصول على الإقامة، مشيرة إلى أن نظام اللجوء انتهى فعليًا، وأن برامج إعادة التوطين أُلغيت باستثناء الأفريكان البيض.

وتفيد الصحيفة بأن نظام الحماية المؤقتة، الذي يحمي الأفراد من الترحيل بسبب الاضطرابات في بلدانهم الأصلية، أُلغي أو يجري إلغاؤه بالنسبة للهايتيين والفنزويليين والنيكاراغويين والسوريين وغيرهم، ما يعرّض مئات الآلاف للترحيل إلى دول تصنّفها الولايات المتحدة نفسها على أنها غير آمنة، إلى جانب الارتفاع الحاد في رسوم جميع إجراءات الهجرة.

تبحث الإدارة كذلك عن سبل لعرقلة حصول المستحقين على الجنسية، من خلال إلغاء مراسم منح الجنسية وإخراج الأشخاص من صفوف الانتظار لأداء قسم الولاء.

وتورد الصحيفة مثال اعتقال الناشط محسن مهدوي في 14 أبريل أثناء موعده لمنح الجنسية، بسبب مشاركته في احتجاج مدني مؤيد للفلسطينيين في جامعته.

الجنسية تحت التهديد

أصدر الرئيس الأمريكي أمرًا تنفيذيًا لإلغاء حق المواطنة بالولادة، وهو الحق الذي مكّن الأمريكيين السود المحررين من العبودية من الحصول على الجنسية، وقد وصل هذا الأمر إلى المحكمة العليا.

وقال ترامب إنه سيجرد المواطنين الأمريكيين من جنسيتهم "قطعًا" لو كان الأمر بيده، مشيرة إلى أن هذا التهديد، رغم فجاجته، ليس بلا سابقة في تاريخ الولايات المتحدة، حيث تستعرض "الغارديان" أن مئات الآلاف جُرّدوا من جنسيتهم في النصف الأول من القرن العشرين بسبب اتهامات بالتزوير، أو لاعتبارات "حسن السيرة والسلوك"، أو بسبب "عدم الأهلية العرقية"، أي كونهم غير بيض.

وترتبط هذه السياسات بالتوسع الهائل في نظام الترحيل الجماعي، ففي سبتمبر، وبعد شهرين من إقرار ما يُسمى بـ"قانون الجميل و الكبير"، أُضيف 75 مليار دولار إلى ميزانية إدارة الهجرة والجمارك الأمريكية (ICE).

جعلت هذه الزيادة ميزانية إدارة الهجرة والجمارك تفوق ميزانية جميع جيوش العالم باستثناء سبعة، وجعلتها وكالة إنفاذ القانون الأعلى تمويلًا في الحكومة الفيدرالية، قبل أن تسمح المحكمة العليا لضباطها بممارسة التمييز العنصري ضد الأفراد.

وتجعل هذه السياسات كل شخص من ذوي البشرة الملونة هدفًا محتملاً، وأن إدارة الهجرة والجمارك تُرهب مجتمعاتهم، في ظل استمرار التمييز العنصري البنيوي.

ونشرت وسائل الإعلام حالات لمواطنين أمريكيين تعرضوا لمداهمات، من بينهم أفراد من قبيلتي نافاجو وميسكاليرو، ورجل أسود في شيكاغو كان يحمل شهادة ميلاده، وشاب من أصل صومالي في مينيسوتا أُجبر على الخضوع لفحص التعرف على الوجه لإثبات جنسيته.

الجالية الصومالية

تسلّط وكالة "أسوشيتد برس" الضوء على الجالية الصومالية في مينيسوتا، مشيرة إلى أن تصريحات ترامب أعادت تسليط الضوء على المهاجرين الصوماليين وأحفادهم.

تنقل الوكالة أن ترامب قال إنه لا يريد الصوماليين في الولايات المتحدة لأنهم "لا يقدمون أي فائدة"، في وقت تستعد فيه السلطات الفيدرالية لعمليات إنفاذ قوانين الهجرة تستهدف المهاجرين الصوماليين المقيمين بصورة غير قانونية.

وتفيد الوكالة بأن عدد الأشخاص من أصل صومالي في الولايات المتحدة يُقدّر بنحو 260 ألف شخص في عام 2024، وفق المسح السنوي للمجتمع الأمريكي، وأن أكبر تجمع لهم يوجد في منطقة مينيابوليس–سانت بول.

وتوضح الوكالة أن نحو 58% من الصوماليين في مينيسوتا وُلدوا في الولايات المتحدة، وأن 87% من المولودين في الخارج أصبحوا مواطنين أمريكيين بالتجنس، وأن عدد المشمولين ببرنامج الحماية المؤقتة لا يتجاوز 705 أشخاص على مستوى البلاد.

وتشرح "أسوشيتد برس" أن تصعيد ترامب جاء بعد مزاعم عن تحويل أموال برامج حكومية إلى حركة الشباب، رغم عدم توجيه اتهامات بدعم الإرهاب لأي من المتهمين في قضايا الاحتيال الأخيرة.

وتفيد الوكالة بأن فضيحة "إطعام مستقبلنا" المرتبطة بجائحة كوفيد-19 تُعد أكبر قضية احتيال من نوعها، مع رفع تقديرات السرقات إلى 300 مليون دولار وارتفاع عدد المتهمين إلى 78، مع بقاء القضايا قيد النظر.

وتنقل الوكالة ردود فعل غاضبة من قادة الجالية الصومالية، وحلفاء مثل حاكم ولاية مينيسوتا تيم والز، وعمدة مينيابوليس جاكوب فراي، الذين رفضوا تحميل الجالية بأكملها مسؤولية أفعال بعض الأفراد.

ومن جانبها، تستعرض صحيفة "واشنطن بوست "استهداف ترامب المتكرر للنائبة إلهان عمر، ونقله أوصافًا مهينة مثل "القمامة" و"حثالة"، مع وقوفه صامتًا أمام هتافات "أعيدوها".

وتنقل الصحيفة عن النائبة الديمقراطية إلهان عمر قولها إن ترامب يبدو "مهووسًا" بها، وإنها لا تعير اهتمامًا لهجمات المتنمرين، مؤكدة فخرها بأصلها وبالبلد الذي منحها الفرص.

وتوضح "واشنطن بوست" أن ترامب كثّف هجماته بعد فضيحة الاحتيال، رغم عدم توجيه أي اتهامات لعمر، وأنه استغل الملف لتشديد إجراءات الهجرة.

وتورد الصحيفة أن إدارة ترامب عززت وجود عناصر إدارة الهجرة والجمارك في مينيابوليس وسانت بول، وأن مكتب عمر تدخل للإفراج عن مواطنين أمريكيين احتُجزوا ظلمًا.

وتنقل واشنطن بوست عن إلهان عمر قولها إن الجالية الصومالية لا تشعر بالترهيب، وإنها "شجاعة وصامدة"، بعدما نجت من الحرب الأهلية، مؤكدة غضب أفرادها من تحميلهم مسؤولية أفعال مجرمين.

تختم الصحيفة بتأكيد عمر أن الصوماليين في مينيسوتا دافعو ضرائب، وأنهم يرفضون أن يُجرَّدوا من إنسانيتهم أو حقوقهم بسبب خطاب سياسي إقصائي.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية