تحت وطأة المرض والفقر.. متقاعدو إيران يبيعون بيوتهم من أجل العلاج

تحت وطأة المرض والفقر.. متقاعدو إيران يبيعون بيوتهم من أجل العلاج
علاج كبار السن - أرشيف

كشف عضو المجلس الأعلى لمتقاعدي الضمان الاجتماعي في إيران، برويز أحمد بنجكي، عن واحدة من أكثر الأزمات الإنسانية صمتاً في البلاد، حيث يدفع ارتفاع تكاليف العلاج وانهيار فاعلية أنظمة التأمين الصحي آلاف المتقاعدين والمسنّين إلى خيارات قاسية، يصل أقساها إلى بيع منازلهم وممتلكاتهم الشخصية لمجرد الاستمرار في تلقي العلاج والبقاء على قيد الحياة.

وشرح عضو المجلس الأعلى للمتقاعدين، في مقابلة مع وكالة أنباء “إيلنا”، الاثنين، أن المتقاعدين أُجبروا فعلياً، خلافاً لما ينص عليه القانون، على شراء التأمين التكميلي، في وقت تُلزم فيه المادة 54 من قانون الضمان الاجتماعي وقانون الإلزام، منظمةَ الضمان بتوفير حزمة علاجية كاملة ومجانية للمتقاعدين. 

غير أن الواقع، بحسب بنجكي، يعكس فشلاً بنيوياً عميقاً، إذ لم تُجهَّز البنى التحتية اللازمة، كما أن المستشفيات التابعة للمنظمة تعاني من تهالك واضح ونقص حاد في الإمكانات.

وأوضح بنجكي أن الموارد المالية التي كان من المفترض تخصيصها لتعزيز خدمات العلاج داخل منظومة الضمان الاجتماعي، لم تُنفق في هذا المسار، بما في ذلك حصة العلاج المقتطعة من أجور العاملين، ونسبة الـ2% التي تُخصم من رواتب المتقاعدين أنفسهم، محذراً من أن “التأمين الأساسي، في الظروف الحالية، لا يتمتع عملياً بأي فاعلية تُذكر”.

عبء إضافي خانق

يبرز الواقع المالي للتأمين التكميلي كعبء إضافي خانق، إذ يبلغ القسط الشهري للخطة الأساسية 720 ألف تومان، يدفع المتقاعد منها 470 ألف تومان، في حين تتحمّل المنظمة 250 ألف تومان فقط.

ومع محدودية هذه الخطة، يُجبر كثير من المتقاعدين على اللجوء إلى الخطة الثانية أو ما يُعرف بالخطة “الذهبية”، التي لا تضع سقفاً للتغطية وتشمل أدوية وفحوصات الأمراض المزمنة والخطِرة، لكن كلفتها تقترب من مليون تومان شهرياً للفرد الواحد.

ويفضح هذا الواقع حجم التناقض بين الدخل والاحتياجات، حيث قد تصل كلفة التأمين الصحي لأسرة من ستة أفراد إلى نحو ستة ملايين تومان شهرياً، في حين لا تتجاوز رواتب معظم المتقاعدين ما بين 10 و15 مليون تومان، ما يجعل العلاج يلتهم أكثر من نصف الدخل الشهري، ويدفع العائلات إلى دوامة من الديون أو التفريط بممتلكاتها.

ادعاءات شركات التأمين

تكشف المعطيات، بحسب وكالة “إيلنا”، أن ادعاءات شركات التأمين بتغطية 98% من الأدوية لا تعكس الحقيقة كاملة، إذ إن النسبة المتبقية تفرض على المتقاعدين أعباء شهرية تراوح بين 5 و20 مليون تومان. 

وتبلغ المأساة ذروتها في حالات الأمراض الخطيرة مثل السرطان، حيث يُطلب من المريض دفع 270 مليون تومان من جيبه الخاص لدورة علاج واحدة تبلغ كلفتها الإجمالية نحو 900 مليون تومان، ما لا يترك أمام المتقاعد سوى خيارين قاسيين: بيع البيت أو التوقف عن العلاج.

وتحذّر تصريحات بنجكي من أن نحو 80% من المتقاعدين الذين يحصلون على قروض من الروابط والنقابات، ينفقونها بالكامل على تكاليف العلاج، في مؤشر خطير على تحوّل القروض المخصصة لتحسين ظروف المعيشة إلى وسيلة إسعاف صحي مؤقتة لا تحل أصل الأزمة.

معاناة يومية ممتدة

تختزل هذه الشهادات معاناة يومية تمتد حتى إلى أبسط الحالات المرضية، إذ يؤكد بنجكي أن تكلفة أدوية السكري والإنسولين وحدها تراوح بين مليونين وثلاثة ملايين تومان شهرياً، في حين تشكّل العمليات الشائعة، مثل جراحات الركبة أو العين، وحتى نزلات البرد، عبئاً ثقيلاً على كبار السن، في ظل نظام صحي لم يعد يوفر لهم الحد الأدنى من الأمان.

وتعكس هذه الأزمة الإنسانية صورة قاسية لتآكل شبكة الحماية الاجتماعية في إيران، حيث يتحوّل المرض إلى حكم بالإفقار، ويصبح العلاج امتيازاً لا حقاً، ويُترك المتقاعدون، بعد عقود من العمل، وحيدين في مواجهة الشيخوخة والمرض، بلا مظلة حقيقية تحمي كرامتهم وحقهم في الحياة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية