بيت ساحور تحت التهديد.. قلق كنسي عالمي من عنف المستوطنين في الضفة الغربية

بيت ساحور تحت التهديد.. قلق كنسي عالمي من عنف المستوطنين في الضفة الغربية
اعتداءات مستوطنين في الضفة الغربية

في ظل تسارع التطورات الميدانية في الضفة الغربية، أعرب الأمين العام لمجلس الكنائس العالمي القس جيري بيلاي، السبت، عن قلق عميق إزاء تصاعد اعتداءات المستوطنين الإسرائيليين وإقامة بؤرة استيطانية جديدة على أراضي مدينة بيت ساحور شرق بيت لحم. 

هذا القلق لم يأتِ في سياق بيان عابر، بل حمله القس بيلاي في رسالتين رسميتين وجّههما إلى نائب الرئيس الأمريكي جاي دي فانس ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، مطالباً بتدخل دولي عاجل لوقف ما وصفه بتطور خطِر يهدد السلم الأهلي والوجود التاريخي للمجتمع الفلسطيني المسيحي والمسلم على حد سواء، وفق وكالة سند الإخبارية.

وأوضح القس بيلاي في رسالته أن المعلومات الواردة إلى مجلس الكنائس العالمي، والتي أكدتها جهات مستقلة معنية بمراقبة حقوق الإنسان، تشير إلى قيام السلطات الإسرائيلية ومستوطنيها بإقامة بؤرة استيطانية في منطقة عش غراب، لافتاً إلى أن هذه المنطقة تعد مساحة عامة ترفيهية طالما استخدمها نحو 15000 من سكان بيت ساحور، وتشكل المتنفس الرئيسي للأطفال والعائلات ومختلف أوجه الحياة المجتمعية في المدينة.

تقع منطقة عش غراب ضمن ما يعرف بالمنطقة ج، وهي خاضعة للسيطرة الإسرائيلية الكاملة، وتشرف عليها نقطة عسكرية إسرائيلية دائمة، وبحسب القس بيلاي، فإن إقامة مستوطنة في هذا الموقع لا تمثل فقط تعدياً على أرض عامة، بل تعد فعلاً مباشراً من أفعال نزع الملكية، من شأنه أن يفصل -فعلياً- مدينة بيت ساحور عن امتدادها الشرقي، ويقوض إمكانية نموها الطبيعي مستقبلاً.

بيت ساحور رمزية مهددة

تحمل مدينة بيت ساحور مكانة دينية وتاريخية خاصة لدى المسيحيين في أنحاء العالم، إذ تعرف باسم حقل الرعاة، وترتبط بقصة ميلاد السيد المسيح في الرواية الإنجيلية، ويرى مجلس الكنائس العالمي أن المساس بأراضي المدينة وبنيتها المجتمعية لا يهدد سكانها وحدهم، بل يطول رمزية روحية وإنسانية تتجاوز الجغرافيا المحلية إلى الوجدان الديني العالمي.

وأكد القس بيلاي أن أي تغيير قسري في الواقع الجغرافي والديموغرافي للمدينة يهدد الوجود والاستمرارية لمجتمع مسيحي تاريخي متجذر في الأرض منذ قرون، ويضيف عبئاً جديداً على مجتمع يعاني أصلاً من القيود والضغوط السياسية والاقتصادية.

لم يقتصر تحذير الأمين العام لمجلس الكنائس العالمي على قضية الاستيطان فحسب، بل نبه إلى مخاوف خطِرة تتعلق بالحماية والأمن في الضفة الغربية، وأشار إلى تصعيد موثق في عنف المستوطنين خلال الفترة الأخيرة، شمل اعتداءات جسدية وأعمال ترهيب ممنهجة وتدميراً للممتلكات الخاصة والعامة، في ظل حماية مباشرة أو غير مباشرة من قوات الجيش الإسرائيلي.

هذه الاعتداءات، بحسب بيلاي، لا تشكل حوادث فردية معزولة، بل نمطاً متكرراً يسهم في خلق بيئة طاردة للفلسطينيين، ويقوض أسس العيش المشترك ويغذي مشاعر الخوف وعدم الاستقرار، خاصة في المجتمعات الصغيرة المحيطة بالبؤر الاستيطانية.

تعارض مع القانون الدولي

أكد القس بيلاي أن المستوطنة المخطط لها في عش غراب تتناقض بشكل صارخ مع الإجماع الدولي الراسخ بشأن وضع الأراضي الفلسطينية المحتلة، فالقانون الدولي، ومنها اتفاقيات جنيف، يحظر على قوة الاحتلال نقل سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها، ويعد المستوطنات غير شرعية.

ويرى مجلس الكنائس العالمي أن استمرار الاستيطان لا يقوض فقط القانون الدولي، بل ينسف أيضاً فرص التوصل إلى سلام عادل ودائم، ويغلق ما تبقى من أفق لحل سياسي قائم على العدالة وحقوق الإنسان.

في رسالته، حث القس بيلاي كلاً من نائب الرئيس الأمريكي ورئيسة المفوضية الأوروبية على التدخل لضمان الوقف الفوري لأعمال بناء المستوطنة الجديدة في منطقة عش غراب، ودعا إلى احترام القانون الدولي والالتزامات القائمة المتعلقة بالمستوطنات وحماية المدنيين في الأراضي المحتلة.

كما طالب بدعم الجهود التي تصون ظروف المعيشة والكرامة الإنسانية ومستقبل الفلسطينيين، مسيحيين ومسلمين، في بيت ساحور ومحافظة بيت لحم عموماً، مؤكداً أن الصمت الدولي يشجع على مزيد من التدهور الميداني.

التزام كنسي بالسلام

اختتم القس بيلاي رسالته بالتأكيد على التزام مجلس الكنائس العالمي بالعمل مع جميع الشركاء الدوليين، من سياسيين ودبلوماسيين ومرجعيات دينية، من أجل تأمين مستقبل تعيش فيه مجتمعات الأرض المقدسة بسلام وكرامة وحقوق متساوية، وطلب من القيادات الدولية إيلاء هذا الملف اهتماماً فورياً والانخراط الفاعل لمنع مزيد من التصعيد على الأرض.

ويمثل مجلس الكنائس العالمي واحدة من كبريات الهيئات المسكونية في العالم، إذ يضم 356 كنيسة في أكثر من 120 دولة، ويمثل ما يزيد على 580 مليون مسيحي حول العالم، ما يمنح مواقفه وزناً أخلاقياً ودينياً في القضايا المتعلقة بالعدالة وحقوق الشعوب.

تأتي هذه التحذيرات في وقت شهدت فيه الضفة الغربية تصعيداً ميدانياً جديداً، فقد هاجم مستوطنون، السبت، مركبات مواطنين فلسطينيين قرب قرية عين يبرود شرق رام الله، تحت حماية قوات الجيش الإسرائيلي، وأفادت مصادر محلية بأن المستوطنين أوقفوا عدداً من المركبات واعتدوا على ركابها أثناء مرورهم على الشارع الرئيسي للقرية.

وتشهد الضفة الغربية والقدس منذ أشهر تصاعداً ملحوظاً في اعتداءات المستوطنين وقوات الجيش الإسرائيلي، سواء عبر الهجمات المباشرة أو الاقتحامات المتكررة للمدن والقرى والمخيمات.

أرقام تعكس حجم التصعيد

ووفق معطيات صادرة عن هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، نفذت قوات الجيش الإسرائيلي والمستوطنون 2144 اعتداءً خلال شهر نوفمبر الماضي وحده. وشملت هذه الاعتداءات 1523 نفذها الجيش الإسرائيلي، و621 نفذها المستوطنون، ما يعكس اتساع رقعة العنف وتداخله بين المستويين العسكري والمدني الاستيطاني.

تشهد الضفة الغربية منذ سنوات تصاعداً متدرجاً في النشاط الاستيطاني، خاصة في المناطق المصنفة ج، التي تشكل نحو 60 بالمئة من مساحة الضفة، وتستخدم هذه المناطق لإقامة مستوطنات وبؤر جديدة تقطع التواصل الجغرافي بين المدن الفلسطينية. بالتوازي، يتصاعد عنف المستوطنين في ظل مناخ سياسي وأمني يسمح بالإفلات من العقاب.

وتعد بيت ساحور، الواقعة شرق بيت لحم، من أقدم المدن الفلسطينية ذات الأغلبية المسيحية، وتحمل رمزية دينية عالمية، وأي تغيير في واقعها الجغرافي أو الديموغرافي ينعكس على الوجود المسيحي الفلسطيني برمته، في هذا السياق، تكتسب تحذيرات مجلس الكنائس العالمي أهمية خاصة، باعتبارها صادرة عن جهة دينية دولية تمثل مئات الملايين من المؤمنين، وتضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته القانونية والأخلاقية تجاه حماية المدنيين وصون فرص السلام في الأرض المقدسة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية