احتجاجات أنغولا.. حين يعلو صوت الشارع تحت وطأة الفقر والقمع

احتجاجات أنغولا.. حين يعلو صوت الشارع تحت وطأة الفقر والقمع
احتجاجات في أنغولا

في شوارع لواندا عاصمة أنغولا المزدحمة عادةً بصخب الحياة اليومية، خيّم صمت ثقيل بعد يومين داميين من الاحتجاجات الشعبية التي أطلقت شرارتها زيادة جديدة في أسعار الوقود، لتسفر عن سقوط أربعة قتلى، وأكثر من 500 معتقل، وقلوب الأنغوليين مثقلة بمزيج من الخوف والغضب واليأس، لكن ما بدا في ظاهره أزمة اقتصادية هو في جوهره أزمة أعمق بكثير، عنوانها تاريخ طويل من الاستبداد والتفاوت الاجتماعي الصارخ.

بدأت شرارة الاحتجاجات في وقت سابق من هذا الشهر عندما أعلنت الحكومة رفع سعر الديزل بأكثر من 30%، في بلد يعتمد الملايين فيه على حافلات الميني باص الصغيرة كوسيلة نقل أساسية وفق وكالة الأنباء الألمانية، لم تكن الزيادة مجرد رقم إضافي على عدادات الوقود، بل صفعة مباشرة لمعيشة الطبقات الفقيرة والمتوسطة التي تكافح أصلاً في مواجهة ارتفاع أسعار الغذاء والبطالة والتضخم.

مع بداية الأسبوع، تدفق مئات الشبان والنساء إلى شوارع لواندا، تعبيرًا عن سخطهم على القرار الحكومي، لكن المشهد تحوّل سريعًا من احتجاجات سلمية إلى صدامات مع قوات الأمن، التي استخدمت القوة لتفريق التجمعات.

وفق بيان شرطة أنغولا، سُجّل مقتل أربعة أشخاص، وتوقيف أكثر من 500 آخرين بتهم أعمال شغب وتخريب ونهب، بينما لحقت أضرار بعدة سيارات ومحال تجارية، وأُغلقت طرق حيوية في العاصمة.

ما وراء الأسعار

للوهلة الأولى، تبدو الأزمة اقتصادية بحتة؛ لكن الأرقام تكشف سياقًا مختلفًا. وفق البنك الدولي، يعيش نحو ثلث سكان أنغولا البالغ عددهم نحو 36 مليون نسمة تحت خط الفقر، بينما تصل معدلات البطالة بين الشباب إلى نحو 33%، في بلد تُصنَّف فيه ثروات النفط بين الأعلى في إفريقيا.

في مقابل هذا، تحتل أنغولا المرتبة الـ132 عالميًا في مؤشر التنمية البشرية الصادر عن الأمم المتحدة لعام 2023، ما يعكس تدهورًا في الخدمات العامة، خاصة التعليم والصحة، رغم الإيرادات الضخمة من قطاع النفط الذي يمثل أكثر من 90% من صادرات البلاد.

زيادة أسعار الوقود لم تكن سوى القشة التي قصمت ظهر المواطن البسيط الذي يكابد غلاءً غير مسبوق، في بلد يعتمد بشكل شبه كامل على الاستيراد لتأمين حاجاته الغذائية، ما يضاعف تأثر الأسعار بأي تغييرات في سعر الوقود.

حين يُقابل الغضب الشعبي بالعنف

اتهمت منظمة هيومن رايتس ووتش قوات الأمن باستخدام القوة المفرطة لتفريق مظاهرة وصفتها إلى حد كبير بالسلمية. هذه ليست المرة الأولى التي يُواجَه فيها الغضب الشعبي بالقمع في أنغولا.

تاريخيًا، تُعرف قوات الأمن في البلاد باستخدام القوة ضد أي محاولة للاحتجاج. فمنذ استقلال أنغولا عن البرتغال عام 1975، يحكم حزب الحركة الشعبية لتحرير أنغولا البلاد بلا انقطاع، ورغم الوعود المتكررة بالإصلاح السياسي والانفتاح منذ وصول الرئيس الحالي جواو لورينسو إلى السلطة في 2017، لا تزال التقارير الحقوقية تتحدث عن اعتقالات تعسفية، وتضييق على الإعلام المستقل، ومراقبة مستمرة للمعارضين.

ووفق تقارير "العفو الدولية"، شهدت السنوات الخمس الأخيرة تصاعدًا في حالات قمع التظاهرات واحتجاز الصحفيين ونشطاء المجتمع المدني.

نقمة الفقراء على اقتصاد النفط

من المفارقات في أنغولا أن تكون ثاني أكبر منتج للنفط في إفريقيا بعد نيجيريا، بينما يعيش ملايين من سكانها دون كهرباء نظيفة أو مياه شرب آمنة، حيث تشير أرقام البنك الدولي إلى أن أكثر من 40% من الأنغوليين يفتقرون لخدمات المياه والصرف الصحي الأساسية.

الاعتماد الكبير على النفط جعل اقتصاد البلاد عرضة للتقلبات العالمية، ومع تراجع أسعار النفط في السنوات الأخيرة، اتجهت الحكومة لتقليص دعم الوقود ضمن إصلاحات اقتصادية واسعة، بدعم من صندوق النقد الدولي الذي منح أنغولا قرضًا بقيمة 3.7 مليار دولار في 2018 مقابل تطبيق «سياسات تقشفية» لتقليص العجز المالي.

لكن هذه السياسات، وإن أنعشت جزئيًا المؤشرات الاقتصادية الكلية، زادت من معاناة المواطنين الذين يرزحون تحت التضخم الذي تجاوز 13% في 2023، وفق أرقام رسمية.

ويمثل الشباب دون سن الخامسة والعشرين نحو 60% من سكان أنغولا، وفي ظل بطالة مرتفعة وفقر متزايد، تصبح أي زيادة في تكاليف المعيشة شرارة سريعة لاشتعال الشارع.

تقول الباحثة في الشأن الإفريقي، إيميلي ندايا، في تصريح أوردته صحيفة "إندبندنت" البريطانية: "أنغولا تشهد حاليًا تزاوجًا خطيرًا بين شباب عاطل غاضب، ونظام سياسي غير قادر على تقديم حلول، وغياب بدائل اقتصادية حقيقية خارج قطاع النفط".

الخوف من اتساع رقعة الاحتجاجات

رغم إعلان الشرطة عودة الهدوء إلى معظم مناطق لواندا، يخشى مراقبون أن تتجدد الاحتجاجات إذا لم تُقدّم الحكومة حلولًا ملموسة. فإجراءات الدعم الجزئي أو المؤقت لم تكن كافية في مرات سابقة لتهدئة الشارع.

وفي بيان رسمي، وعدت السلطات بفتح تحقيق شفاف في أعمال العنف، لكنها في الوقت نفسه كررت تحميل المتظاهرين المسؤولية عن أعمال الشغب، وهو خطاب مألوف في تعامل النظام مع الاحتجاجات.

منذ انتهاء الحرب الأهلية المدمرة التي استمرت نحو 27 عامًا وانتهت في 2002، بقيت السلطة السياسية مركزة بيد حزب الحركة الشعبية لتحرير أنغولا، وقد تعاقب على الحكم رئيسان فقط خلال نصف قرن: جوزيه إدواردو دوس سانتوس (1979–2017)، ثم جواو لورينسو.

ورغم وعود لورينسو بمحاربة الفساد الذي نهب المليارات من موارد الدولة، يرى منتقدوه أن الإصلاحات توقفت عند حدود معينة، وظل النظام يحتكر النفوذ السياسي والاقتصادي، بينما بقيت الطبقات الفقيرة ضحية السياسات المالية القاسية.

بحسب مراقبين، الذي حدث في لواندا ليس مجرد غضب من زيادة أسعار الديزل، بل هو تعبير عن وجع مزمن يعيشه ملايين الأنغوليين الذين يرون ثروات بلادهم تُهدر دون أن تنعكس على حياتهم اليومية.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية