بين أنقاض المدارس ووجع المجاعة في اليمن.. دروس الحياة كما يرويها مسؤول أممي

بين أنقاض المدارس ووجع المجاعة في اليمن.. دروس الحياة كما يرويها مسؤول أممي
بيتر هوكينز ممثل اليونيسف في اليمن أثناء لقائه بطلاب مدرسة الشعب في صنعاء

في قلب اليمن، حيث الحرب التي أنهكت الحجر والبشر، يجلس الأطفال في فصول بلا جدران ولا أرضيات، أحيانا تحت ظل شجرة وأحيانا بين أنقاض مدرسة متهالكة، ليواصلوا تعلّمهم بإصرار يدهش كل من يراهم، في مشهدٌ يلخص قصة صمود يرويها بيتر هوكينز، ممثل اليونيسف في اليمن، الذي لا يخفي إعجابه بقدرة هؤلاء الصغار على تحويل التعليم إلى أمل يومي، رغم افتقادهم أبسط مقوماته.

يقول هوكينز وفقا لموقع أخبار الأمم المتحدة: "كانوا ينظرون إليّ بفخر ويقولون: لا تقلق، سنواصل التعلم. لكن إذا استطعت أن توفر لنا طاولات أو جدرانا أو سبورة، فسنكون أفضل".

وبالفعل، خلال الأشهر الأخيرة تمكنت اليونيسف من توزيع أكثر من 23 ألف طاولة وتأهيل أكثر من ألف مدرسة في مختلف أنحاء اليمن.

مدارس تنهض من تحت الركام

يتذكر هوكينز زيارته لمدرسة انهار سقفها ووقف على عصا خشبية مائلة، حيث كان عشرات الأطفال يبتسمون ويتلقون دروسهم وكأن شيئا لم يكن، وعلى بعد أمتار، وجد 12 فتاة في الصف الحادي عشر جالسات على الأرض بجانب شجرة، تتقاسمهن سبورة معلقة، في حين كانت إحداهن تحتضن طفلها الصغير وهي تكتب دروسها.

لكن التعليم ليس التحدي الوحيد في اليمن، فالأزمة الاقتصادية وانهيار النظام المصرفي وتقلص المساعدات الإنسانية أرهقت قدرة المنظمات على العمل، ويقول هوكينز: "الأصعب ليس نقص التمويل، بل تحديد الأولويات، علينا أن نضمن وصول الخدمات إلى الأطفال الأكثر ضعفاً، والنساء والفتيات الأكثر احتياجاً".

رحلة بدأت في إثيوبيا

نشأة هوكينز نفسها شكّلت بذور التزامه بالعمل الإنساني. فقد قضى طفولته وشبابه في إثيوبيا، حيث كان والده ووالدته يديران شركة محاسبة أسهمت في خدمة مستشفى خيري لعلاج الناسور، وغرست تجربة العمل على حسابات المستشفى منذ صغره فيه الشعور بالمسؤولية، لاحقا، خلال مجاعة الثمانينيات، عاد ليشارك ميدانيا في جهود الإغاثة، وهناك أدرك أن إنقاذ حياة طفل واحد أو ضمان بقاء أسرة على قيد الحياة كفيل بأن يمنح معنى للوجود كله.

عمل هوكينز مع اليونيسف في العراق بعد هزيمة تنظيم داعش في الموصل، حيث التقى بأطفال لم يغادروا منازلهم أربع سنوات كاملة، يتذكر كيف ارتعدوا خوفا عند رؤيته أول مرة، ثم ابتسموا عندما اكتشفوا أن في هذا العالم من لا يحمل إليهم إلا الطمأنينة، تلك اللحظات، كما يقول، أكدت له أن الخير موجود، وأن الأمل يمكن أن يولد حتى من قلب العزلة والخوف.

منذ انضمامه إلى اليونيسف عام 2015، ظل هوكينز مؤمنا بأهمية التعددية والتعاون الدولي، يقول: "القيم التي تأسست عليها الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية تحتاج إما إلى تطبيقها أو تعديلها لإيجاد نظام عالمي جديد، أنا متفائل، حتى وإن كان الأمر سيستغرق وقتا".

صوت إنساني

في شهادته المؤثرة، يستعيد هوكينز صور الأمهات والآباء الذين فقدوا أبناءهم في مخيمات إثيوبيا، وكيف كان عليه أن يوازن بين مشاعره الجياشة وقدرته على مواصلة العمل، ويضيف: "لا شيء يؤرقني ليلا، لأنني أستيقظ كل يوم وأنا أعرف أن هناك شيئا يمكنني القيام به. هذا ما يبقيني مستمرا".

يُبث حديث بيتر هوكينز ضمن برنامج "Awake at Night" الذي تقدمه ميليسا فليمنغ، وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للتواصل العالمي، ويسلط البرنامج، الحاصل على جوائز دولية، الضوء على تجارب إنسانية شخصية لمسؤولين وعاملين أمميين يواجهون أصعب الأزمات في العالم، وجاءت حلقة هوكينز لتكشف عن الجانب الإنساني وراء الأرقام الجافة، ولتعكس كيف يمكن للإصرار والأمل أن يضيئا حتى أكثر الأماكن قسوة وظلاما.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية