من الاختطاف إلى الاحتجاز.. ممارسات قمعية تستهدف الصحفيين في أديس أبابا

من الاختطاف إلى الاحتجاز.. ممارسات قمعية تستهدف الصحفيين في أديس أبابا
الصحافة الإثيوبية

شهدت إثيوبيا منذ أغسطس 2025 ارتفاعاً ملاحظاً في وتيرة اعتقالات الصحفيين والعاملين في وسائل الإعلام، في سياق حملات أمنية أدت إلى اختطاف بعضهم واحتجاز آخرين لفترات طويلة أو وضعهم تحت ضغوط قضائية من نوعٍ قد يُعرّف بأنه ترهيب ممنهج للأصوات المستقلة. 

منظمات حقوقية دولية طالبت بالإفراج الفوري عن المحتجزين وإنهاء المضايقات التي تعرقل عمل الإعلام قبل انتخابات وطنية مرتقبة في 2026 وفق "هيومن رايتس ووتش"

من حوادث الاعتقال البارزة، احتجاز اثنين من صحفيي إذاعة شجر إف إم 102.1، المحرّرة تيغست زيريهون والمراسل منتامير تسغاو، بعد بث تقرير حول أوضاع العاملين في القطاع الصحي، إذ أُبلغت المحطة بإزالة البث قبل توقيف الصحفيين، في حين طالت الإجراءات محاولات لسحب تراخيص وفرض عقوبات تنظيمية. وفي حادث منفصل، اختطف مسلحون ملثمون يونس أماري المحرر البارز في صحيفة ذا ريبورتر من منزله قبل أن يُطلق سراحه بعد أيام، وسط مطالبات بتحقيق شفاف في الحادث وبيان مكان احتجازه. 

كما أعلن عن حالات اختفاء واحتجاز صحفيين آخرين في مناطق إقليمية، وبعضهم احتُجز دون توجيه تهم لفترات امتدت إلى أسابيع، وهذه الحالات موثقة لدى منظمات حماية الصحفيين وهيومن رايتس ووتش وعدة وسائل محلية ودولية. 

تحوّل الآليات التنظيمية

في أبريل 2025 أقرّ البرلمان تعديلات أثارت قلق الصحفيين ومنظمات المجتمع المدني، إذ نقلت صلاحيات حاسمة في تنظيم الإعلام من مجلس الهيئة إلى المدير العام الذي يعينه مكتب رئاسة الوزراء، وألغت قيوداً على انتماء أعضاء الهيئة للأحزاب السياسية وقلصت مشاركة المجتمع المدني في الرقابة. 

حقوقيون عدّوا هذه التعديلات تكريساً لتركيز السلطة وفتحاً واسعاً لإمكانية التدخّل السياسي في منح وإلغاء التراخيص وفرض العقوبات على المؤسسات الإعلامية، ما عزّز مناخ الخوف والرقابة الذاتية. 

وتستخدم السلطات قانون مكافحة خطاب الكراهية ومكافحة المعلومات المضللة (2020) وأحكام مكافحة الإرهاب في ملاحقات قضائية ضد صحفيين بتهم فضفاضة. 

أمن أم تكميم للرأي؟

تضع السلطات الإثيوبية هذه الإجراءات في إطار حماية الأمن القومي ومنع التحريض والعنف، خاصة بعد سنوات من النزاعات الإقليمية وتأثيراتها في الأمن الداخلي، لكن محللين ومنظمات حقوقية يرون أن توقيت الحملة مع اقتراب انتخابات 2026 وقيامها ضد وسائل مستقلة ومراسلين يغطون احتجاجات وقضايا خدمات عامة يشير إلى أن الهدف يتجاوز الأمن إلى تمييع الرقابة الشعبية على أداء الحكومة ومنع المساءلة، هذا التلاقي بين ذريعة الأمن وإصلاحات تشريعية مركزية أنتج مناخاً يسمح بالاعتقال التعسفي والتضييق على العمل الصحفي بحسب هيومن رايتس ووتش.

وتخلف هذه السياسة آثاراً إنسانية مباشرة وغير مباشرة تتمثل في اعتقالات واحتجازات تحت وطأة التهم الغامضة تسبب معاناة نفسية وعائلية للصحفيين، كما تزيد من الرقابة الذاتية لدى باقي العاملين في الإعلام، إغلاق نافذة التحقق والرقابة يعرّض الجمهور لمعلومات غير محايدة أو مضللة، ويضعف قدرة المجتمع على الوصول إلى معلومات حول خدمات أساسية مثل الصحة والتعليم، تحديداً عندما أدت تغطية أزمة العاملين في القطاع الصحي إلى توقيف صحفيين، كما أن حالات الاختطاف والاحتجاز الانفرادي تشكل انتهاكات حقوقية وفق المعايير الدولية، وتثير مخاوف من الإفلات من العقاب.

هيومن رايتس ووتش طالبت السلطات بوقف الاستهداف وإطلاق سراح الصحفيين فوراً، في حين نددت منظمات مثل اللجنة لحماية الصحفيين وعدد من جمعيات الإعلام المحلية بالاعتقالات والاختطافات. وعلى الصعيد الدولي، أعربت بعثات دبلوماسية في أديس أبابا عن قلقها، حيث أصدرت 14 بعثة بياناً في يوم حرية الصحافة تطالب بحماية الصحفيين، في مؤشر على تزايد الضغوط الدبلوماسية لمواجهة تدهور الحريات الإعلامية، وأظهرت تقارير رقابية دولية تراجعاً في ترتيب إثيوبيا بمؤشرات حرية الصحافة خلال السنوات الأخيرة، وهو ما عزّز القلق إزاء المسار الحقوقي قبل الانتخابات. 

الإطار القانوني الدولي

تلتزم إثيوبيا بمبادئ الحق في التعبير المنصوص عليها في الصكوك الدولية، لكن استخدام قوانين واسعة لتعريف الكراهية أو الإرهاب لملاحقة الصحفيين يتعارض مع معايير المحاكمة العادلة وحرية التعبير، وتطالب المنظمات الحقوقية بإنهاء استخدام الأدوات الجنائية لحل مسائل أخلاقية أو مهنية في الإعلام، وتطالب بتعزيز آليات مستقلّة للتحقيق في اختفاءات وتوقيفات وتعويض الضحايا، كما يُشدد على ضرورة أن تضمن السلطات أن أي قيود على حرية التعبير تكون ضرورية ومتناسبة وضمن إطار القانون الدولي. 

شهدت إثيوبيا تحولات متقلبة في علاقة السلطة بالإعلام، مرحلة الانفتاح في أعقاب تغيير القيادة أعطت فسحة لعودة بعض المنابر والمنفيين، لكن نزاع تيغراي وانكسار الهدوء الأمني منذ 2020 أعادا خطاب الأمن إلى مقدمة التبريرات الحكومية لتقييد الإعلام، وقد مكن التدهور الحقوقي خلال السنوات الأخيرة وتصاعد استخدام قوانين واسعة النطاق لمكافحة الكراهية والإرهاب، من توسيع إمكانات التدخل في الإعلام والتضييق على المستقلين.

التوثيق الحالي يشير إلى موجة قمع تستهدف مساحات أساسية للرقابة والمساءلة في وقت تحتاجه البلاد أكثر من أي وقت، خصوصاً قبيل انتخابات وطنية، وتوصي منظمات حقوقية دولية بوقف الملاحقات التعسفية وإلغاء التعديلات التي تترك تنظيم الإعلام تحت نفوذ السلطة التنفيذية، وإطلاق تحقيقات شفافة في حالات الاختطاف والاحتجاز، والسماح بعودة الفضاء المدني والإعلامي لأداء دوره في مراقبة العملية الانتخابية، وبحسب "هيومن رايتس ووتش" فإن حماية الصحفيين ليست ترفاً بل شرط أساسي للانتخابات الحرة والمجتمع المسؤول. 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية