أطباء إثيوبيا على خط الاحتجاجات.. إضرابات متجددة تنذر بانهيار الرعاية الصحية

أطباء إثيوبيا على خط الاحتجاجات.. إضرابات متجددة تنذر بانهيار الرعاية الصحية
إضراب الأطباء والعاملين في قطاع الصحة الإثيوبي

يستعد العاملون في قطاع الصحة في إثيوبيا لاستئناف إضراب وطني في الخامس عشر من سبتمبر الجاري، في ثاني جولة إضرابية خلال أشهر قليلة، للمطالبة برواتب عادلة وظروف عمل لائقة وضمانات للحماية الاجتماعية، وتعيد هذه المواجهة بين مطالب المهنة وحزم القوانين والأدوات الأمنية للحكومة إلى الواجهة أزمة أعمق تتجسد في تآكل الخدمات العامة واحتقان اجتماعي متنامٍ في بلد يعاني ضغوطاً اقتصادية وسياسية كبيرة بحسب "هيومن رايتس ووتش".

بدأت الاحتجاجات بتنظيم داخلي واسع ضمن حركة العاملين الصحيين في إثيوبيا، في مايو الماضي، أدى إلى تعليق العمل بالخدمات غير الطارئة في معظم المستشفيات العامة، وتتكرر مطالب الأطباء والممرضين حول ثلاثة محاور رئيسية تتمثل في زيادات حقيقية في الأجور تمكنهم من مواجهة ارتفاع تكاليف المعيشة، وتحسين ظروف العمل وتوفير معدات أساسية، وضمانات اجتماعية تشمل التأمين الصحي والسكن والنقل بأسعار معقولة، ويصف المهنيون وضعهم بأنه غير مستدام، مع تقارير عن دخول لجراحين برواتب شهرية لا تكفي للأساسيات. 

أبعاد اقتصادية

تتداخل مطالب العاملين الصحيين مع واقع اقتصادي صعب، فمعدلات التضخم المتغيرة وانخفاض الإنفاق العام على الصحة يضعان ضغوطاً على المستوى المعيشي وعلى قدرة الدولة في تحسين الأجور، وتشير توقعات الجهات الدولية إلى اتجاهات تضخمية وانضباط مالي غيْر مستقر، ما يحد من هامش المناورة الحكومي في إثيوبيا لرفع الرواتب على نطاق واسع دون تأثيرات مالية ملاحظة، وفي هذا المناخ يشعر العاملون أن الإجابات الوزارية كانت بطيئة وغير كافية، ما دفعهم إلى التصعيد. 

لم تواجه الحكومة في إثيوبيا الإضراب بحوار مفتوح فحسب، بل لجأت أيضاً إلى تدابير إدارية وأمنية. تم تعليق عمل جمعية المهنيين الصحيين رسمياً، واعتُقل العشرات من الأطباء والكوادر، ووجهت تهم إلى قيادات حركة الاحتجاج، منها اتهام عضو بارز بـ "التحريض على الإضراب" واحتجازه للتحقيق، وقد أثارت هذه الخطوات انتقادات من منظمات حقوقية دولية دعت إلى إطلاق سراح المعتقلين وفتح حوار حقيقي دون تهديدات جنائية، ويُظهر تصاعد المقاربة الأمنية عمق القلق الرسمي من أن يتحوّل تحرك مهني إلى احتجاج اجتماعي أوسع. 

قيود وقيم متصادمة

ينص القانون الإثيوبي على قيود صارمة على حق الإضراب في الخدمات الأساسية، ومنه الرعاية الصحية، وهو ما يجعل التحرك العمالي عرضة لإجراءات قانونية، وفي المقابل، تؤكد المعايير الدولية العمالية ودراسات حقوق الإنسان حق العمال في التنظيم والمطالبة بتفاوض جماعي وطرق سلمية لحماية شروط العمل، وهنا تتقاطع الحتمية الوطنية لحماية الحياة مع واجبات الدولة لاحترام حقوق العمل والحرية النقابية، ويفرض ذلك على الحكومة مسؤولية إيجاد آليات توازن بين حماية الخدمات العامة وضمان حقوق العاملين. 

الأثر الفوري للإضراب يمتد إلى ملايين المرضى في إثيوبيا عبر تأجيل العمليات الجراحية غير العاجلة، والضغط على أقسام الطوارئ، وتعطّل برامج تطعيم ورعاية الأمومة والطفولة، ووفق تقارير محلية، توقفت نسبة كبيرة من المرافق عن تقديم خدماتها الروتينية خلال جولة الإضراب السابقة، ما يعكس هشاشة قدرة المنظومة الصحية على امتصاص صدمات العمل الجماعي، ومع احتمالية تكرار الإضراب، يواجه النظام الصحي خطر تفاقم أوضاع المرضى المزمنين والحوامل والأطفال، وارتفاع معدلات المضاعفات التي كان من الممكن تجنّبها وفق "Ethiopian Tribune".

منظمات تدعو للحوار

أدانت منظمات، مثل هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية و"أمنستي"، الإجراءات القمعية التي طالت العاملين الصحيين ودعت إلى الإفراج عن المعتقلين وفتح قنوات تفاوض فورية، وقد طالبت شبكات نقابية دولية ومؤسسات العاملين في الخدمة العامة أيضاً الحكومة بالاعتراف بمطالب العاملين ومعالجتها عبر حوار اجتماعي جاد. وفي المقابل، تؤكد الحكومة أن بعض الإجراءات كانت ضرورية للحفاظ على النظام العام وضمان استمرار الخدمات الطارئة، وهو ما يرفع سقف التحدي أمام الوسطاء لإقناع الطرفين بالجلوس إلى طاولة تفاوض حيادية وملموسة. 

تأتي احتجاجات العاملين في الصحة في إثيوبيا في سياق أوسع: سنوات من النزاعات الإقليمية التي هزّت أجزاءً من البلاد، وتجمّيد دعم دولي أساسي في بعض البرامج، وقيود اقتصادية وإنفاق عام محدود على الصحة، هذه العوامل مجتمعة أضعفت البنى الصحية وزادت الاعتماد على جهود فردية من الكوادر، ما جعل غضب العاملين أكثر منطقية في وقت باتت فيه الطبقات العاملة تجد صعوبة في تلبية احتياجاتها الأساسية، ويضع تقاطع أزمات الأمن والاقتصاد والتمويل الدولي امتحاناً معقداً أمام القائمين على السياسات. 

خريطة الطريق للخروج من هذه المواجهة تحتاج إجراءات متوازنة تشمل إطلاق سراح المعتقلين بوصفه شرطاً لبناء الثقة، وفتح مفاوضات ثنائية برعاية طرف ثالث محايد، وتقديم زيادات مرحلية مدروسة في الأجور مع حزمة اجتماعية مؤقتة للتخفيف، واستثمارات عاجلة في البنى التحتية الصحية، وبرامج تدريب ودعم نفسي للعاملين، والأهم أن تتحول إدارة الأزمة من مقاربة أمنية إلى إدارة اجتماعية وسياسية، تعيد الاعتبار للمهنية وتُقرّ بمطالب عمال صحة يخاطرون بحيواتهم يومياً، وتضع بيانات المؤسسات الحقوقية والأممية تضع هذه الخطوات في إطار التزامات الدولة بموجب معايير حقوق الإنسان والعمال.

رهانات إنسانية وسياسية

وفقاً لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” فإن إضراب العاملين في مجال الصحة ليس مجرد نزاع على الرواتب، إنه مؤشر على صحة عقد اجتماعي في بلد يواجه تحديات متعددة، والحفاظ على حياة الناس وحماية كرامة مهنيي الرعاية الصحية يستدعي استجابة تتخطى الاتهامات والعقوبات. 

وأمام إثيوبيا فرصة لاختبار جدية التزامها بالحقوق الأساسية وإثبات أن الخدمات الصحية ليست ورقة تتلاعب بها سياسات الأمن، بل ركيزة لشرعية الدولة وصمود المجتمع. 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية